لا أحب كثيرا إطلاق النار على سيارات الإسعاف، خصوصا حين يكون مرضاها أو الممتطون لها واضعين “للصيروم” بعد الدخول في إضراب وهمي أو حقيقي عن الطعام قد ينجح وقد لا ينجح، لكنني في حالة مثل حالة رئيس مركز إبن رشد للدراسات والإعلام السيد المعطي منجب ملزم ببعض الكلام.
ملزم لأن الأمر يهم الإعلام أولا، ويهم ما اصطلح بعض الناس فيما بينهم على تسميته “صحافة استقصائية” في البلد. وملزم لأن الأمر يهم إسم علم، هو الرئيس أبو الوليد إبن رشد، وملزم ثالثا لأن الحكاية أصبحت تمس البلد وتحاول من خلال وسائل إعلام أجنبية معروفة أن تظهره بمظهر الخائف من رجل واحد لأن هذا الرجل ينجز الدراسات ويشجع الإعلام الاستقصائي.
الحكاية ليست على هذا الحال نهائيا. الحكاية، ولا بأس من تحطيم الأوثان دائما والمرة بعد الأخرى، هي بشكل آخر مخالف تماما.
لنبدأ من الصحافة وهي حرفتنا المسكينة التي ابتلينا بها وابتليت بنا. هذه الحرفة في كل مناطق الكون، في كل أنحاء المعمور، في السند وفي الهند، لها قواعد وأجناس صحفية يجب عليك أن تلتزم بها، إذا أردت ممارستها إلا في المغرب الأقصى. يمكنك في كل حين أن تقول عن نفسك إنك متخصص فيها وأنك تلقن الشباب الواعدين الصاعدين أبجدياتها وطرق التفوق فيها. لماذا؟ لأن البراح شاسع والخواء كبير والفراغ مهول والميدان ليس له أهل حقيقيون يدافعون عنه للأسف الشديد.
لنمر إلى إبن رشد العظيم. هذا رجل أدمن السؤال تلو السؤال حتى ثار عليه العوام وهاجموه، وحين يكتب مركز إسم الرئيس إبن رشد على يافطته الكبرى يجب عليه أن يحترم العقل أولا ثم أن يحترم بقية الأشياء. العقل السليم في حكاية المعطي منجب يقول بديهية صغيرة للغاية: أجب سيدي على الأسئلة الخاصة بالأموال التي طرحت عليك في التحقيق، وبعدها كل مطارات المغرب، كل موانئه، كل حدوده، كل سراديب الخروج منه والدخول إليه مفتوحة في وجهك.
لكن أن تمتنع عن الجواب على أسئلة دقيقة تهم كيفية تسرب أموال من ميزانية مركز إبن رشد إلى حسابك الشخصي، ثم تغضب لأن التحقيق لم ينته، وتقرر الرد بإضراب عن الطعام، ففي الأمر شيء من إن وحتى وبقية الكلمات.
صورة البلد ثالثا، هذه صورة جميعنا مسؤول عنها. وعندما رأيت الطريقة العجيبة التي تم بها تجييش الفيسبوك والتويتر ومنتديات التواصل الاجتماعي، من أجل النيل من رجل أمن مغربي استفزته عبارة تمس مغربية الصحراء في وقفة كانت معدة للاحتجاج على الحج وتنظيمه (من الرباط للرياض ولا داعي لاستغراب اللخبطة فالكل يعاني من دوخة مزمنة هاته الأيام)، فهمت أن هاته الصورة مستهدفة، وهي قد تبدأ بسخرية ومونتاج مهيأ بعناية هنا وتنتهي بإضراب وهمي عن الطعام من أجل التمكين من الفرار لتلافي الجواب على أسئلة بسيطة للغاية، وتمر طبعا إلى وضع اليد في يد أعداء الوطن إلى آخر مانتابعه ونقرأ عنه باستمرار ونرى ملامحه في القصاصات وبعض تقارير الهيومان رايتس واتش وما إلى ذلك.
لابد من قولها مرة أخرى للسيد معطي وأصدقائه: الإضراب عن الطعام وصور الزيارات التضامنية لن تحل الإشكال. أجب من سألوك عن المال واخرج من الباب الواسع مثلما يقول المغاربة في دارجهم، أو مثلما كان يقول طيب الذكر باسم يوسف في برنامجه الساخر “جاوب على أم السؤال”.
لا شيء أفضل من الوضوح في هاته الحياة، سواء في الصحافة الاستقصائية، أو في الصحافة التي لاتستقصي أو في كل شيء
الغموض وحده – خصوصا في قضايا الفلوس – يظل ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق على الإطلاق..
ملحوظة لها بعض العلاقة بماسبق.
حتى بعد أن قرر عدم المجيء إلا أننا لانستطيع إلا أن نعاين الخسائر الناتجة عن خبر استضافة العريفي من طرف “التوحيد والإصلاح” في المغرب بين الرافضين للزيارة والمدافعين عنها.
في الضفتين معا تشنج شديد، وعدم قدرة على بلورة فكرة نقاش واحدة، بل اكتفاء بالسباب بين الجهتين معا.
مؤسف مشهدكما بالفعل ولا علاقة له إلا بكلمة واحدة: التخلف. فقط لاغير.
بقلم: المختار لغزيوي.