29أكتوبر 1965 – 29 أكتوبر 2015 . خمسون سنة ستمر
ثم لن يعود للمهدي حزب يتذكره إلا بعناء شديد. الحزب في حالة اجتماع مفتوح لتدارس نتائج الانتخابات الأخيرة، وسيعقد ندوة في الموضوع. ولن يعود للمهدي قبر يدفن فيه، بل لم يكن له أبدا قبر يلجأ إليه إن كان قد مات أصلا. أما إذا كان لا زال على قيد الحياة فلابأس من بعض الانتظار.
ولن يعود للمهدي صحافيون يكتبون كل سنة عن ذكراه السنوية ويذكرون المغاربة برحيل الرجل الذي كان يقول لهم إن لديهم جميعا حقا من شيء ما، لأن من عرفوا المهدي إما رحلوا أو مرضوا أو تعبوا وأصبحت الذكرى تبدو لهم سريعة السوران تأتي بغتة سنة بعد سنة ولا شيء يتغير ولا شيء يظهر في الأفق
في الختام اتفقنا جميعا على أن المهدي “مات وشبع موت”، وأن حكايته من زمن فائت وسابق وقديم وأنه لا داعي للنبش في القبور، وفي الذكريات الحزينة.
حتى الممرض الشهير في قصة المهدي اختار – مثل ممثل ماهر – هاته السنة الارتياح من تعب تلك الساعات الصارخة التي عاشها، أو التي قيل لنا إنه عاشها قبل أن يحقن المهدي الحقنة القاتلة، وطبعا الأيام والليالي والشهور الطويلة التي سيكون قد عاشها بعد رحيل المهدي وبقاء السر محبوسا في بضعة أفراد يقولونه لبعضهم البعض عبارة عن نظرات غامضة والسلام.
مات الحسوني الجمعة الماضية، في نفس السنة التي (يحتفي) فيها بعض المغاربة بمرور خمسين سنة على اختفاء بن بركة، ولم تعد الحكاية بذلك الإغراء الذي كانته في بداياتها.
يجب أن نعترف بذلك رغم قسوة الكلام.
الأفلام الكثيرة التي صنعت عنها، القصص التي تداولها العديدون: المخبرون، ومخبرو المخبرين، ورجال الشرطة، والسياسيون، وأصدقاء المهدي وأعداؤه، ثم الفضوليون أولئك الذين لم يعرفوا شيئا لكنهم يصرون على قول عديد الأشياء المتناقضة عن الحكاية، وصولا إلى من يرغبون في المال فقط من صحافيي فرنسا الذين انكشفت عورتهم مؤخرا والذين اتضح أنهم لا يعرفون عن “ميدي بينبيغكة” مثلما يسمونه إلا أنه موضوع ظل يستل من درج العدم كل سنة مرة من أجل الضغط لا أقل ولا أكثر، وظل يثير عصبية المغرب لسنوات عديدة، قبل أن يصبح موضوعا عاديا يختزل في آية كريمة شهيرة “لاتزر وازرة وزر أخرى”، ويجد تفسيره في أن الصراع السياسي في ستينيات وسبعينيات المغرب من القرن الماضي لم يكن مثلما حكت لنا الأسطورة الكاذبة وهي تشحذ رؤوسنا بالحفظ الذي يجب أن نردده: معركة بين الخير وبين الشر، صراعا بين الراغبين في تحريرنا والراغبين في بقائنا مستعبدين، صراعا بين الأبيض وبين الأسود.
لا، الحكاية كانت أبسط وأعقد من هذا بكثير. الحكاية كانت رمادية أو تقريبا بلا لون لأن الحكاية كانت صراعا حول السلطة والإمساك بها.
طبعا كانت هناك أردية عدة، وأنواع لباس متعددة لهذا الصراع، منها الإيديولوجي ومنها السياسي ومنها الديني ومنها المجتمعي، لكن في النهاية الحكاية كلها كانت صراعا حول السلطة في البلد انتهى إلى ما انتهى إليه، بالأضرار الجانبية الضرورية ومنها ضرر كبير مثل اختفاء المهدي بعيدا عن أسطرة (تحويل إلى أسطورة) لم تعد تعني للجيل الجديد أي شيء.
سألني أحد الصحافيين منذ حوالي الثلاث سنوات وكنا نعد ملفا عن 29 أكتوبر “شكون المهدي بنبركة؟”. وجد زملاء لنا حينها السؤال جارحا وغير مقبول ويدل على ما اعتبروه جهلا لايمكن السكوت عنه، وانتفضوا وصرخوا وسبوا لاإعلام والمدرسة والأسرة وكل شيء…
بقيت يومها هادئا، واعتبرت حينها السؤال عاديا، بل ودليل صحة وعافية لهذا الجيل الجديد أنه لم يصب بأمراض الجيل السابق، ولم يرث بالغباء ذاته، نفس المحفوظات الغامضة لكي يتلوها على نفسه، ويلقنها قسرا للقادمين بعده.
انتهت الحكاية. هل انتهت الحكاية؟ يجب أن نقولها لأنفسنا، بالنسبة للمغرب. أما بالنسبة لمن سيزايدون بها دوما فسيجدون دائما طريقة ما لإعادة تحريك هذا السكين في هذا الجرح القديم.
لقد انتهت. أعتقد أنها انتهت…هذا على الأقل ما أتصوره، أو هذه على الأقل ملحوظتي التي لاعلاقة لها بماسبق
المختار لغزيوي.