عبد القادر الحيمر
أفرز خيار مملكة السويد المتجه نحو تبني مشروع قانون يهدف إلى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية الوهمية مناخا جديدا دفع من جهة بكل مكونات الأمة المغربية إلى التعبير عن استعدادها للدفاع عن الوحدة الترابية وعن المقترح المغربي الذي صار يعتمد كأساس عملي لتوصل الأمم المتحدة إلى حل نهائي ودائم للنزاع القائم حول الصحراء وفرض من جهة ثانية على الحكومة المغربية التعجيل بالإعلان رسميا عن رفضها للحرب التي أعلنتها السويد على المغرب وعن كونها تفكر في الرد بالمثل على الموقف السويدي.
إلى حد الآن يمكن القول بأن كل الاحتمالات لا تزال واردة، فكما أنه من غير المقبول الاعتقاد بأن ما صدر عن مختلف مكونات المجتمع المغربي من مواقف وتحاليل سيكون كافيا لثتي من كان بالأمس القريب يتزعم من موقع المعارضة الدفاع في البرلمان عن التوجه الجديد للحكومة التي صار يقودها، فإنه من غير المنطقي أن تتجاهل الحكومة السويدية رد الفعل المغربي القائم على دعوة المملكة السويدية إلى الانخراط في المجهود الأممي الهادف إلى فض النزاع القائم في الصحراء.
الموقف السويدي الجديد تعاملت معه جل التحاليل المعبر عنها في المغرب على أساس أنه إعلان حرب على المغرب، وهو إعلان برره البعض بكون البعد الجغرافي عن السويد جعل بعض المؤثرين في قرارها السياسي يسقطون في فخ مقارنة الوضع في الصحراء المغربية بما هو قائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وجعلهم يتخذون من قوتهم الاقتصادية وسمعتهم الدولية في مجال الممارسة الديمقراطية دعامة لتزعم خيار فرض عقوبات اقتصادية على المغرب، ليس فقط داخل السويد ولكن على المستويين الأوربي والدولي، فبدعوى أن جزءا من الصادرات المغربية ينتج في الأراضي الصحراوية المتنازع عليها، فإنها تسعى إلى أن تكرس المنطق الانفصالي الذي تخلت عنه الكثير من الدول بما فيها إسبانيا التي كانت تستعمر المناطق الجنوبية والشمالية المغربية، وسواء عن جهل أو عن قصد فإن السويد تريد أن تفرض الحصار على صادرات المغرب من المنتجات الفلاحية والأسماك والفوسفاط، أي على القطاعات التي طور فيها المغرب قدراته وجلب بفضلها اعترافات الكثير من الهيئات الدولية المهتمة بمحاربة الجوع وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة والمتقاسمة، والأهم من هذا هو أن السويد تريد فرض عقوبات على كل من يساهم في الاستثمار بالمناطق الصحراوية المغربية.
من السابق لأوانه الجزم بأن القرار السويدي نهائي ولا رجعة فيه، فرغم أن المبادلات التجارية بين البلدين ضعيفة القيمة حيث انحصرت صادرات المغرب في 495,76 مليون درهم ، سنة 2013 ، علما بأن جزءا من هذه الصادرات هو نتاج استثمارات أوربية في المغرب وتحقق منه القارة الأوربية فائض قيمة يضاعف بعدة مرات نصيب المغرب منها، بينما الصادرات السويدية، التي انخفضت ب 17% بفعل تراجع أسعار البترول والغاز والمحروقات، بلغت خلال نفس السنة 3,55 مليار درهم ، ورغم أن التقصير الدبلوماسي المغربي في تنوير الراي العام الدولي بحقيقة منجزاته في العديد من الميادين التي تعتبر السويد نفسها من كبار المدافعين عنها كالأمن والاستقرار والديمقراطية والتنمية ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة السرية وتهريب المخدرات، فإن هذا الخلل المزدوج هو نتاج تقصير يمكن تداركه خاصة وأن الواقع السويدي يتوفر على عدة مؤهلات تساعد على تطويق الأزمة قبل استفحالها، ومن أبرز هذه المؤهلات نخص بالذكر مواقف بعض مكونات المشهد السياسي السويدي المساندة للمقترح المغربي بخصوص ملف الصحراء المعتمد من طرف الأمم المتحدة ، كما نخص بالذكر تواجد جالية مغربية مندمجة في المجتمع السويدي ولها قدرة على تصحيح المفاهيم الخاطئة فيما لو تم التعامل بجدية مع مطالبها وتأطيرها وإشراكها في الحملات الدبلوماسية، وقد يكون من المفيد التذكير في هذا الصدد بأن الديبلوماسية الموازية لم تكن في الموعد بدليل أن تقهقر دور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الساحة السياسية المغربية كان له تأثير سلبي كبير على دور هذا الحزب في منظومة الأممية الاشتراكية وهو الدور الذي كان قد بلغ دروته في العهد الذي كان كاتبه العام عبد الرحمان اليوسفي يتولى منصب الوزير الأول بحكومة التناوب.
إن المغرب الذي تجاوز في ظرفية جد صعبة خلافات حادة مع دول وازنة في العلاقات الخارجية المغربية مثل إسبانيا والهند وفرنسا، لا تعوزه الوسائل والكفاءات لتخطي الخلاف القائم حاليا مع السويد، كما أنه له من المؤهلات الاقتصادية ومن العلاقات الدولية ما يجعله قادرا على تحمل الخيارات المناوئة فيما لو انحازت السويد بشكل جائر إلى خيار معاداة المغرب.
الاحتمال الثاني ضعيف جدا لأن السويد أبانت حتى الآن عن كونها من الدول التي يمكنها أن تخطئ في اتخاذ بعض القرارات ويمكنها أن تبني مواقفها على أسس تحمي كيانها ومصالحها الحيوية، ولكنها ليست من الدول التي تقرر معاداة شركائها ضدا على خياراتها التي جعلت منها دولة ديمقراطية نموذجية في القارة الأوروبية، ومع ذلك فإن واجب الحيطة والحذر يقتضي مواجهة العدوان على الوحدة الترابية بكل الوسائل المتاحة.
لقد سبق للسويد أن أعلنت عن رغبتها في تقوية مبادلاتها التجارية مع دول شمال إفريقيا، كما سبق للغرفة التجارية السويدية الشمال إفريقية أن استضافت في العاصمة ستوكهولم لقاء أكد فيه الجانب السويدي على أهمية فرص الاستثمار المتاحة في دول شمال إفريقيا، ومما لا شك فيه فإن خيار الانفصال الذي تبنته الحكومة السويدية وخيار الحرب الاقتصادية الذي تعتزم تعميم الانخراط فيه على باقي الدول الأوربية، ستكون له انعكاسات وخيمة على المصالح السويدية في القارة الإفريقية، ذلك أن المغرب، باعتراف العديد من الدول والشركات المتعدة الجنسية التي اتخذت منه مقرا لتطوير نشاطها وجعلت منه معبرا نحو تقوية تواجدها في القارة الإفريقية، صار دولة نموذجية، ليس فقط على المستوى الاقتصادي ولكن كذلك على مستوى إرساء بنيان المجتمع الديمقراطي، وإليه يعود الفضل في تطوير قدرات الاتحاد الأوروبي على الحد من الإرهاب والهجرة السرية وتهريب المخدرات والجريمة المنظمة، إنه بلد الأمن والاستقرار والتسامح وتلاقي الديانات، وقد لا نبالغ إن قلنا بأن دوره كدركي أوروبي في القارة الإفريقية سيتقوى بعد أن قلص تراجع أسعار البترول من قدرات الجزائر على حماية حدودها ومن تأمين الاستقرار داخل ترابها الوطني، فالجزائر التي أنتجت الجمهورية الصحراوية الوهمية ورعتها في مختلف المحافل الدولية، لا يمكن مقارنتها بالمغرب الذي، رغم اعتماده الشبه الكلي على الاستيراد في تحقيق اكتفائه الذاتي من البترول، استطاع على المستوى الوطني أن يحقق أهدافا تنموية هامة واستطاع أن ينخرط في التحولات التي يعرفها المجتمع الدولي على مستوى حماية البيئة وإنجاز برامج التنمية المستدامة والتقدم بشكل ملموس في مجال الحريات الفردية والجماعية وفي مجال المساواة بين الرجل والمرأة وما إلى ذلك من المجالات التي تحتاج إلى من يدعمها لا إلى من يعرقلها، أما على المستوى الدولي فإن الدور الذي لعبته قواته المسلحة ضمن البعثات العسكرية التي ترعاها الأمم المتحدة في مناطق مختلفة من العالم لا يضاهيه إلا الدور الذي لعبته نفس القوات في توفير الخدمات الطبية التي استفاد منها عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى الأردن واستفاد منها كذلك ضحايا فيروس إيبولا جنوب الصحراء بالقارة الإفريقية.
إن كل من يدعي إعلان الحرب على الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر، وكل من يسعى فعلا إلى إقرار مجتمعات آمنة ومستقرة وديمقراطية لا بد له أن يتريث قبل اتخاذ القرار وقبل الشروع في تنفيد ما يعتقد أنه الصواب، فكون السويد بعيدة جغرافيا عن المغرب فهذا لا يعني أنها ستكون آمنة من انعكاسات سياستها على وضعها الداخلي، ومن له الشك في ذلك فما عليه إلا أن يستحضر كيف تحول العدوان على العراق وليبيا ثم سوريا وغيرها من الدول إلى منجم لتفريخ الإرهاب ولتشريد العديد من المدنيين الذين جعلت منهم الحرب والجريمة لاجئين لم يكن لهم من خيار غير الزحف على القارة الأوربية وعلى غيرها من الدول، فالمغرب الذي استضاف العديد من المهاجرين العرب والأفارقة لا يحق للسويد كما لا يحق لغيرها أن تحطم كيانه وتجعل منه كذلك دولة مصدرة للاجئين، والمغرب الذي حول أقاليمه الجنوبية إلى أوراش للتنمية العمرانية والبشرية لا يمكن مقارنته بالمخيمات التي تحتضنها الجزائر وتتخذ منها وسيلة للتصرف في المساعدات الإنسانية التي تتلقاها صنيعتها البوليزاريو، فإذا كان المغرب مقصرا في تبليغ مستنداته للحكومة السويدية فإن هذه الأخيرة لا تعوزها الوسائل والخبرة للحصول على المعلومة الصحيحة قبل أن تطلق النار على المغرب الذي يعتبر نموذجا يقتدى به في الدفاع عن نفس الخيارات التي تتبناها السويد والتي تتعرض في كثير من مناطق العالم، بما فيها المناطق القريبة من الدول الاسكندنافية، إلى التراجع والانتهاك.