الخطاب الملكي، الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس للدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، نص في فارق في تاريخ وثائق المنظمة الدولية، حيث لم يكتف برصد الإشكالات التي يواجهها العالم، ولكن عمد إلى طرح الإجابات عن كل الإشكالات التي تعرفها البشرية وتشكل تحديات بالنسبة لكافة الدول، وهي التحديات التي لا تهم بلدا دون آخر ولكن يشترك العالم في ويلاتها خصوصا بعد تطورات التواصل التي عرفتها الدنيا. فالتحديات الخطيرة التي يواجهها العالم اليوم، وكما حددها الخطاب الملكي، تتعلق بالهجرة وحقوق الإنسان، والتغيرات المناخية والتنمية المستدامة، ومحاربة الإرهاب، وهذه التحديات تقتضي معالجة مشتركة بين البلدان غير أنه لابد لكل بلد من أن يطرح رؤيته المختلفة وفق الظروف التي يعيشها، والمغرب قدم إجابات وطنية، تشكل إضافة نوعية، تساهم في الجهود الدولية لرفع هذه التحديات الكونية غير المسبوقة. وركز الخطاب الملكي على مجهودات النموذج المغربي، الذي نجح في العديد من المجالات، بدءا بالتنمية البشرية حيث تم تصنيف المغرب الثالث عالميا ضمن خمس دول، التي اعتمدت أحسن البرامج والمبادرات ذات النفع العام، وعبر المغرب عن استعداده، لوضع تجربته، في هذا المجال، في خدمة شركائه، وخاصة بإفريقيا. وليس انتهاء بمحاربة الإرهاب التي جعلت من المغرب النموذج الفعال في العالم، حيث أصبح يشكل محورا لتجارب العالم في هذا المجال إذ الظاهرة الإرهابية تؤرق العالم برمته من أقصاه إلى أقصاه ودون استثناء. واستغل جلالة الملك هذا الاجتماع الدولي ليندد بما أسماه البيروقراطية الدولية، التي إن استمرت سيكون الوقت قد فات من أجل معالجة مظاهر التخلف في بعض البلدان وخصوصا في إفريقيا، التي يجب أن تكون في صلب التعاون الدولي، من أجل التنمية، لمساعدتها على التخلص من ماضيها الاستعماري، وتحرير طاقاتها. فبدون دعم دولي جوهري ملموس، فإنها ستعرف تفاوتات صارخة وخطيرة بين دولها. دول تنخرط في مسار التنمية والتقدم. ودول تعاني من مشاكلها، وتغرق في الفقر والجهل وعدم الاستقرار. ودعا جلالة الملك إلى وضع السلم والاستقرار، في صدارة الأولويات، للوقاية من النزاعات، والتصدي للتطرف والإرهاب، ومعالجة إشكالية الهجرة، وفق مقاربة تأخذ بعين الاعتبار كرامة المهاجرين، وصيانة حقوقهم الأساسية، وتواجه الأسباب العميقة لهذه الظاهرة. وشدد الخطاب الملكي على ضرورة اعتماد الواقعية في دراسة القضايا الدولية ولا مجال لحل النزاعات الجيوسياسية عن طريق اليوتوبيات الحالية، فمنظمة الأمم المتحدة لم تبق في مرحلة الطفولة أو المراهقة وقد تم تأسيسها منذ سبعين سنة، أي أنها وصلت مرحلة النضج والحكمة والمسؤولية، لهذا ينبغي حل النزاعات الإقليمية وفق هذه القيم والمعايير، حيث لا يجب أن يكون عملها سببا في زعزعة استقرار الدول التي تساهم في العمل والتعاون متعدد الأطراف. ومن الوضوح التام أن يقول جلالة الملك إن المغرب سيرفض أي مغامرة غير مسؤولة بخصوص الخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية. فالعديد من القوى الدولية تدرك تماما، أن التصورات البعيدة عن الواقع التي تم إعدادها داخل المكاتب، والمقترحات المغلوطة، لا يمكن إلا أن تشكل خطرا على الأوضاع في المنطقة. بلد يطرح النموذج لحل العديد من الإشكالات العالمية وعلى رأسها قضايا الهجرة والمناخ والإرهاب لا ينبغي أن يتم التعامل معه بنظرة قاصرة ولكن بنضج كبير يحترم مقترحاته المبدعة في حل مشكل الصحراء.