من المعلوم أن شروع المملكة المغربية في تنفيذ الجهوية الموسعة تنزيلاً للدستور الذي جاء بعد نقاش واسع وعريض بين مختلف الفرقاء السياسيين والحقوقيين والمثقفين والإعلاميين والجمعويين في إطار الحراك الديمقراطي الذي سارت فيه بكل هدوء وبكل ثقة، زرع في قلب خصوم المغرب الرعب وزلزل الأرض تحت أقدامهم وعلى الخصوص لما فتحوا أعينهم على حقيقة المشاركة، الواسعة لمواطنينا في الأقاليم الجنوبية الذين أكدوا بذلك انتماءهم وتشبّثهم الكامل بالوحدة الوطنية المغربية. هذا الإزعاج دَوَّخ الخصوم ودفعهم، كالعادة، إلى استعمال كل ما يتوفرون عليه من أوراق عِلْماً منهم أن النزاع يسير إلى نهايته، وأنهم، لا محالة، سيخرجون خاويي الوفاض من ملف مُفَبْرك دفع النظام الحاكم في الجزائر، بوجه خاص، وما زال يدفع من أجله، كل أموال الشعب الجزائري بالرغم من المعاناة والقهر والقمع الذي يعاني منه الأشقاء في هذا البلد. في هذه الأجواء حل كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بمخيمات تندوف التي قضى وسهر فيها ثلاثة أيام بلياليها مع شرذمة الانفصاليين ـ طبعا تحت مراقبة وإشراف الأمنيين والمخابراتيين الجزائريين ـ لإعداد الطبخة الجديدة ـ القديمة للنزاع المفتعل بالصحراء المغربية، وهي الطبخة التي تمحورت حول "تكسير" المبادرة المغربية المتعلقة بالتنزيل الكامل للجهوية الموسعة في أفق التطبيق التام للحكم الذاتي، وذلك بإعداد حلول أو مشاريع حلول ـ تبدو في ظاهرها جيدة ـ لكنها تحمل في باطنها الموت الزُّؤَام للمغرب والمغاربة لتصب في النهاية لمصلحة الخصوم. هذه المشاريع حملها روس في حقيبته كما يحمل أيّ رجل أعمال برامجه وأجندته التجارية والمالية التي يسعى من ورائها إلى تحقيق الأرباح والفوائد والامتيازات. ولا غرابة في ذلك ما دام أن ارتباطات روس مع أصحاب القرار في الجزائر لا تخفى على أحد. وهو لا يريد أن يخرج، بعد هذا العُمُر، صٍفْرَ اليدين من هذه العملية التي طبخها وهيّأها بدقة وعناية. لكننا نشفق عليه أن يخرج من اللعبة "لا حمار لا سبعة فرنك" كما يقول المثل المغربي الفصيح. لنقولها بكل صراحة: إن طرح الكونفدرالية ـ على الطريقة السويسرية ـ الذي سعى روس إلى تسويقه، حيلة لا تنطلي علينا، لأن هذا، بكل بساطة، يحمل في جوفه بذور الانفصال الشامل التي يريد روس ومن ورائه الخصوم زرعها ثم تثبيتها في الأقاليم الجنوبية للمملكة قبل أن تينع وتُخْرِج كيانا غريبا في هذه الأقاليم. من أجل هذا عملت أجهزة المخابرات والديبلوماسية الجزائرية، بتنسيق وتعاون مع نظيراتها في كل من جنوب إفريقيا ونيجيريا ومن يدور في فلكهما، على شراء الأصوات والمواقف، بالترغيب والترهيب، لصنيعتهم "البوليساريو". والمغرب لا يمكنه أن يقبل بحل لا ينطبق ولا يتماشى أصلا مع طبيعة النزاع، الذي هو مفتعل ومصطنع، في الصحراء في حين إن الرباط بادرت إلى طرح مقترح الحكم الذاتي الذي أشاد به المنتظم الدولي. وما المشاركة المكثفة للمواطنين المغاربة الصحراويين في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة سوى برهان قوي على أحقية الطرح المغربي. وهو ما أيدته مختلف الفعاليات الجمعوية والحقوقية الصحراوية ومنها، على سبيل المثال رابطة أنصار الحكم الذاتي التي أكدت في بيان لها "تأييدها القوي لإطلاق نظام الجهوية المتقدمة من الصحراء" وأن هذه الأخيرة "منطقة مهيأة لتطبيق نظام الحكم الذاتي الذي سيطوي ملف الصحراء نهائيا ويقطع الطريق على الأطماع التوسعية نحو المناطق الجنوبية للمغرب". هناك شيء آخر أساسي وهام في هذا الموضوع يتعلق بموقف المغاربة الذين بقدر ما هم متشبّثون بوطنهم بقدر ما لا يقبلون من أّيّ جهة التلاعب بقضية الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة. كما أن المغرب يرفض الخضوع للابتزاز والمساومة على قضاياه الحيوية والمصيرية. هذا بالضبط ما ينبغي للمسؤولين عن الدبلوماسية المغربية استيعابه وإدراك معانيه وأبعاده، والعمل الجاد في نطاقه ودائرته لمواجهة الخصوم الذين لا هَمّ لهم سوى تفتيت وتمزيق الوحدة الترابية تمهيدا للقضاء على الحضور والنفوذ المغربي، لأنهم يعرفون جيدا أن وحدة المغرب هي سرّ قُوَّتِهِ وتَفَوُّقِهِ. ومن المؤكد أن بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، سيلمس هذه الحقيقة عن قُرْب خلال زيارته المرتقبة في الأسابيع القادمة للمملكة المغربية.