درس الديمقراطية الأول هو الاختلاف، وهذه الكلمة في بلدان مثل بلداننا لازالت عصية على الفهم بعض الشيء، لذا لابأس بالتمارين في الديمقراطية التي تحملها لنا لحظات كبرى، مثل اقتراع الرابع من شتنبر وما تلاه من انتخاب لرؤساء الجهات والعمداء وما إليه.
أول درس من دروس الديمقراطية ألا تسب من لم يصوت عليك، وألا تصفه بأنه “ماشي راجل”، أو أنه تعرض للضغط فقط لأنه استجاب لعرض منافسك، ولم يرقه العرض السياسي الذي قدمته له.
في هاته الحالة أنت ملزم أيضا بسب كل مواطن لم يصوت عليك، وملزم بأن ترى الخيانة تلف بك في كل مكان كلما قال لك شخص ما كلمة مخالفة.
أول درس من دروس الديمقراطية للمبتدئين ألا تشكر الجهة التي فزت فيها وتعتبر أنها انتصرت للكفاءة، وأوصلت صوت الشعب، وأنها بالفعل كانت نموذجا متفردا لانتصار الحلم الديمقراطي الكبير، ثم تنتقل مباشرة إلى وصف الجهة التي انهزمت فيها وتعتبر أنها معقل الفساد والمفسدين وأنه لا مجال للاشتغال مع من نجحوا فيها.
من حيث تدري أو من حيث لا تدري أنت تدين نفسك أيضا، وحين تقول للناس إن “جهات ما تدخلت لفرض فوز منافسك في جهته”، سيكون من الصعب جدا أن تقنع نفس الناس أن نفس الجهات لم تتدخل في جهتك لكي تفرض فوزك.
أول درس من دروس الديمقراطية دون تدخل في أي حزب وشؤونه الداخلية هو أن يضع زعيم الحزب المنهار أو المنهزم أو المهزوم أو المندحر المفاتيح وأن “يوري للناس نمرة سباطو”، أي أن يستقيل.
ليس من المعقول أن نطالب مدرب ناد للكرة أو منتخب أو فريق رياضي بالاستقالة كل مرة انهزم فيها أو أقصي، ولا نطلب من زعيم حزب أكد فشله في تدبير محطة تلو محطة أن يعطي الفرصة لقيادة أخرى غير قيادته “السديدة”.
طبعا أول درس من دروس الديمقراطية يفرض أن تقول له قواعده هذا الكلام. لكن أول درس من دروس الديمقراطية يفرض أن تكون هاته القواعد حقيقية، وأن تكون مؤمنة بمشروع الحزب لا بالشخص ومشروعه، ملتفة حوله طالما رأت فيه مصالحها، وغير قادرة على مصارحته بالحقيقة التي يراها الجميعا، ولا تغيب إلا عن أعين ذي النظر السديد.
أول درس من دروس الديمقراطية أن تدبر فوزك مثلما تدبر هزيمتك. أن تعرف معاني التحالف، وأن تدرك معاني خوض المعارك من وراء الستار، أن تعرف من سيقف إلى جانبك، وكم من الأصوات يلزمك، وكيف ستصل إلى هاته الأصوات.
لعبة تدبير الفوز هاته تشبه لعبة تدبير الهزيمة، تتطلب حسا ذكيا ومنتبها، وليسمح لنا كثير من الأعزاء لكننا مضطرون لمصارحتهم بها: الحزب الذي يعجز عن تدبر أمر تحالفاته ولا يعرف كيف يصنع من فوزه الساحق، انتصارا كاسحا في المراحل التالية للانتخابات، هو حزب تحوم حوله شكوك كثيرة في قدرته على التدبير اليومي لشؤون المواطنين.
أول درس من دروس الديمقراطية أن نفهم أننا بالكاد نكتشف هاته العوالم، الأيادي ترتفع علانية بالتصويت معلنة نهاية عهد السرية والكولسة الصغيرة. لذلك علينا أن نتيح لدرس الديمقراطية الأول هذا أن يصل إلى الأذهان، أن نكف عن سب مخالفينا وقذفهم بكل الأصوات، أن نفهم رسالة الشعب إلينا أنه مل الشعارات والخطب والكلام الكاذب ويريد فقط من يستطيع خدمته والذهاب به إلى هاته التنمية المستدامة التي يسمع عنها ولا يراها ولا يرى قادرين أمامه على تطبيقها.
في صفحتى على الفيسبوك كتبت الإثنين بعد أن أصابني الحزبيون بقرف سبابهم لبعضهم البعض .
لدي حلم صغير :
أحلم أن ينتصروا على الحزبي الصغير في دواخلهم وأن يتمنوا لهؤلاء الذين سيطبقون جهويتنا الموسعة التوفيق في مهامهم خدمة للمغربية والمغربي في كل الجهات. لكنني على مايبدو أحلم فقط.
مثلي في ذلك مثل بقية المغاربة: مع هؤلاء الحزبيين أو مع غالبيتهم على الأقل لا نملك إلا الحلم للهروب من عديد الكوابيس.
ملحوظة لها بعض العلاقة بما سبق.
أفهم أن ينفعل المنتمي لحزب ما بسبب هزيمته، لكنني لا أفهم لماذا سيغضب الصحافي المهني لهذا الفوز أو لماذا سيفرح.
أخذ مسافات ضرورية من كل الأحزاب هو الأساس الأول للمهنية، أما عندما تصبح “صوتا لسيدك”، فيكون مستحسنا أن تكتب أعلى جريدتك عبارة “لسان حال الحزب الفلاني”.
هذا إذا كنت واضحا وشجاعا بطبيعة الحال. في حالة العكس أي الجبن والمراوغة، لا بأس بكل شيء..