إذا كان تجديد النخب واحدا من رهانات اقتراع الرابع من شتنبر، فإن النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع أبانت عن أن تغييرا معبرا يطال النخب السياسية والمحلية التي ظلت تتحكم في المشهد الحزبي الوطني، وفي تدبير الشأن المحلي في البوادي كما في الحواضر.
تظهر أولى مؤشرات ذلك من التغيير الجوهري الذي طال المشهد الحزبي الوطني، فباحتلال حزب الأصالة والمعاصرة الرتبة الأولى في الاقتراع الجماعي، وتصدر حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات الجهوية، مقابل استمرار تراجع الاتحاد الاشتراكي في الترتيب العام للأحزاب وتعثر الآلة الانتخابية لحزب الاستقلال، يكون المغرب بصدد طي تلك الصفحة التي كان فيها المشهد الحزبي الوطني خاضعا لهيمنة الأحزاب المتحدرة من الحركة الوطنية.
فطيلة الثلاثة العقود الأولى التي أعقبت الاستقلال ظلت أحزاب الحركة الوطنية ممثلة في الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وأحزاب اليسار يتقدمها حزب التقدم والاشتراكية، هي المتحكمة في اللعبة الحزبية بالمغرب، ورغم محاولات خلق تعددية مصطنعة لضبط التوازن مع فصائل هذه العائلة الحزبية، واصلت هيمنتها السياسية التي توجتها سنة 1992 بتأسيس الكتلة الديقراطية التي شكلت عمليا التحالف الموضوعي بين الحركة الوطنية واليسار في محاولة لخلخلة ميزان القوى السياسي لصالح ما سمي بـ «قوى الصف الديمقراطي».
لكن هذه الهيمنة كانت قد بدأت تتعرض لاهتزازات طفيفة بعد ظهور الإسلاميين في الساحة السياسية الوطنية إثر دخول حركة التوحيد والإصلاح المجال الحزبي عبر بوابة الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، ومنذ أن حصد الحزب الإسلامي الذي سيحمل اسم العدالة والتنمية 42 مقعدا في الانتخابات الشريعية لسنة 2002 وبروز ملامح اكتساحه للانتخابات التشريعية في 2007 كانت بوادر مشهد سياسي جديد بصدد البروز أكثر، معلنة بداية نهاية مرحلة هيمنة أحزاب الحركة الوطنية واليسار.
وفي غشت 2008 وتتويجا لمسار بدأ مع تأسيس «حركة لكل الديمقراطيين» سيظهر إلى الواجهة الحزبية حزب مثير للجدل حينها حمل اسم حزب الأصالة والمعاصرة، وحتى من دون أن يشارك في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 أصبح يتوفر على 45 نائبا في مجلس النواب وفي الانتخابات الجماعية لسنة 2009 سيتحول إلى أول قوة سياسية في مجلس المستشارين.
وفيما أكدت انتخابات نونبر 2011 التفوق الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، أبانت أيضا عن أن حزب الأصالة والمعاصرة يتوفر على قاعدة اجتماعية انتخابية تسنده في المدن والبوادي رغم كل ما أثير من جدل حول ظروف ولادته، وطيلة الفترة التي أعقبت الاستفتاء الدستوري، ظل الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية قطبا الرحى في المشهد السياسي الوطني. قبل أن تأتي انتخابات الجماعات والجهات الجمعة الماضية لتؤكد أن جراحة عميقة خضعت لها النخبة الحزبية الوطنية في الاتجاه الذي أزاح حزبي الاستقلال والاتحاد الاشراكي من الصدارة الحزبية واليسار من واجهة الخطاب الإيديولوجي.
وقد ظهر ذلك بشكل ملموس على المستوى المحلي، فقد أزاح العدالة والتنمية حزب الاتحاد الاشتراكي من التحكم في تمثيلية النخبة المحلية بأكادير، كما أسقط حزب الاستقلال من تمثيلية عرش النخبة الحضرية بفاس، وفي الاتجاه نفسة انتزع حزب الأصالة والمعاصرة من الاستقلاليين والحركيين تمثيلية الجهة الشرقية، وفي الوقت نفسه حصل على موطئ قدم في مدن لم يكن موجودا فيها أصلا في السابق مثل تطوان-أكادير-الناظور-وجدة- مكناس، وفي العالم القروي حرث التراكتور المعاقل الانتخابية التي كانت تحسب تقليديا لصالح أحزاب الأعيان القرويين كما في حالة حزب الحركة الشعبية.
وبهذه النتائج، يظهر أن تفاعلات المشهد السياسي الوطني ستظل تتأرجح بين هذين الحزبين الكبيرين في حين ستتحول أحزاب الحركة الوطنية ممثلة في الاتحاد الاشتراكي والاستقلال إلى مجرد مكمل للقطب الذي يقوده «البام»، بينما ستوجه جزء من اليسار مجسدا في التقدم والاشتراكية نحو دعم القطب الذي يقوده العدالة والتنمية.
يونس دافقير