يريد إيريك لوران، الصحافي الذي ابتز ملك المغرب، أن يتقدم بقناع جديد، وهو قناع الإنسان الفرد الذي راح ضحية «إغراء» من جهة، وضحية وضع خاص إنساني، هو مرض …زوجته وتعبه من هذا المرض.
كان يمكن أن يكون الأمر كما قدمه الصحافيان..قبل فضيحة الاعتقال، وبدون حجج المغرب الدامغة، وقبل التسجيلات الصوتية التي تتحدث عن تفاصيل الصفقة.
كان من الممكن أن تستبد به حالة الإغراء هاته، وأن يطالب من المحيط الملكي بما يشبع رغبته، أو ما يجعله قادرا على مواجهة ضعفه أمام مرض زوجته.
وقتها كان من الممكن أن نعير للمذنب البراءة لفائدة .. الشيك!
غير أن الوضع أعمق بكثير عند الصحافي الذي استأمنه الملك الراحل على ذاكرته ..
هناك مبادئ أربعة على الأقل تؤطر القضية:
المبدأ الأول، هو أن صاحبنا هذا قد نشأ صحافيا، وترعرع، كما تقول كتب السير العربية القديمة، في محيط إعلامي سياسي مرموق، جعله يتحدث عن«الوجه الخفي» للبترول والوجه الخفي لـ11 شتنبر والوجه الخفي لدول مغاربية .. ولعله نال حظوة غير مسبوقة لدى القصر المغربي عندما تم تسليمه مفاتيح الحديث في ذاكرة ملك.. ومن خلالها في تاريخ المغرب المعاصر!
بمعنى آخر لقد نشأ في أجواء لا يستطيع أي صحافي فرنسي أو غربي أن يقول إنه عاشها، أو حظي بها.ومن سوء حظنا أن الذئاب عادة ما تكون صديقة في البداية، ومن سوء حظنا أيضا أنه يتم تسليم المفاتيح لأشخاص لا نتأكد دوما من حسن طويتهم واستمرار صداقتهم..
المبدأ الثاني كان المناخ العام الذي يتحكم في علاقة الدولة المغربية ونخبتها المتعددة، هو أننا نعطي عن أنفسنا بأننا بلاد تخاف من أسرارها، أو تخاف على صورتها كنرسيس في قصيدة محمود درويش: «نرسيس لم يكن جميلا كما ظن، لكن صناعه ورطوه في مرآته. فأطال تأمله في الهواء المقطر.. ولو كان في وسعه أن يرى غيره لحرر نفسه.
أنا سعيد لأن البلاد استطاعت أن تكسر قيودا غير مرئية ربطتها بجزء من النخبة الإعلامية الأجنبية (وحتي الداخلية في بعض الجوانب، ليس موضوع الخوض فيها)، برابطة تجعل الشك في سلوكنا أقرب إلى التعامل المتجرد.
بلغة أخرى، ربما حررتها قضية الابتزاز من علاقة أخرى من جانبها هي علاقة الإغراء لفائدة الآخرين.. والتي يجيدها بعض صناع القرار عندنا!
من حقنا أن نشكل لوبيا أو مجموعة ضغط، كما هي متعارف عليها في الذكاء الدولي العام، بل من حقنا أيضا أن نخطيء أحيانا في الأشخاص، وليس من حقنا أن نسكت عند المهزلة، وهذا ما يثلج الصدر في القضية.
المبدأ الثالث في القضية، هو التحرر من علاقة التقديس التي تربطنا منذ زمان بعيد بمكتوب النخب الفرنسية، بدون أن نستحضر الترابط المنتفع من هكذا اهتمام. فقد سقط القناع عن إصدارات، لا تكون بنية تقديم الإسعاف لحقيقة في بلادنا تشكو من الصعوبة في تداول كل الحقائق داخليا، ولم يتم ذلك بدون دفع ثمن مهم من طرف بلادنا، وحجز الرأي العام في بلاد فرنسا كرهينة لحسابات لا تفصح عن نفسها دوما:اليوم وضع الصحافيان علامة حمراء على ما يأتينا من الخارج حول بلادنا، وهو أمر قد لا يكون كله جيدا لكنه يجعل كل مكتوب أو مؤلف أمام ضرورة الإقناع ببراءته، بدون شك… ولا شيك.
لم يعد الإنجيل الثوري والمهني يصدر من باريس!
المبدأ الرابع يتعلق بالسياق العام لفضيحة إيرك لوران، والذي لا يمكن أن نغفل فيه ما سبق أن أطرته النخبة الفرنسية إعلاميا بالأساس: أي قضايا تطرح مرة، التعذيب ويقدم من خلاله اسم أو اسمان كما لو أنهما خرجا للتو من الجحيم المغربي، أو يطرح فيه الانفصالي أو الانفصالية، كما لو أنه بدون نزعة تسعى إلى تفكيك البلاد ، ويقدم من خلالها المغرب كبلد محتل..!
أو قيادة معارضة محدودة وحملة مغرضة بدون أن ننتبه إلى ما فيها من مافيوية وصعلكة غير بوهيمية!
من عناصر السوريالية أن إيريك لوران يتحدث في حواره الدفاعي الصادر في يومية لوموند عن وضعيته، والتي «تشبه وضعية بن بركة» عندما كان في سيارة لا يعرف الوجهة التي ستأخذه إليها في باريس بلاده!!!
إنه يريد أن يحيل على أشرف الناس لعله يبتز بالتاريخ ما لم يستطعه بالمال والكتب!
ومن عناصر السوريالية أيضا هو إنه يقول بأنه طلب الصفقة «لكي لا يزعزع استقرار المغرب»، وهو أول درس نراه في التاريخ العام للبشرية: إذا لم ترد أن تزعزع استقرار بلد ما… ابتز ملكها!