بالرغم من الوضع الكارثي للاقتصاد الجزائري وانعكاساته السلبية على الظروف المعيشية للسكان، عدا الحديث عن تأجيل أو إلغاء عدد من المشاريع التي كانت مبرمجة في المخططات الحكومية بالجزائر، والأوضاع المتوترة في أكثر من ولاية وأكثر من جهة، فإن المسؤولين بهذا البلد يجدون كل الوقت للاشتغال والانكباب على أمور أخرى لا تدخل في صلب اهتمامات الشعب الجزائري، ولا تعنيه من قريب أو من بعيد. على رأس هذه الأمور: البحث الكثيف، وما يتطلب ذلك من جهد ووقت أكبر، من أجل إيجاد الرجل المناسب لوضعه على رأس "البوليساريو" بعد أن تمّ التخلّص من "الزعيم" السابق محمد عبد العزيز الذي صدّق الوهم الذي قدّمه له النظام الجزائري بأنه "رئيس الجمهورية الصحراوية" و"زعيم جبهة البوليساريو"، و"القائد الأوحد" لمختلف التنظيمات والميليشيات المسلحة.... وظل يعيش على إيقاع هذا الحلم طيلة أربعين سنة من دون أن يستطيع أن ينتبه يوما أنه يداعب السراب، ليتم التخلص منه كما يتم التخلص من أي شيء انتهت صلاحيته. وبما أن نظام جمهورية الوهم تم تفصيله وقياسه على غرار نظام العسكر الحاكم بالجزائر، ويعتبر نسخة، مُصَادَقًا عليها من طرف هذا النظام، فإنه لا يعترف بوجود نائب لـ"الزعيم"، الشيء الذي جعل عملية البحث، التي تقوم بها أجهزة المخابرات الجزائرية، مُضْنِيَة ومُضَاعَفَة في نفس الوقت حيث إن هذه الأجهزة منكبَّة على البحث عن رئيس يخلف الرئيس الانفصالي المريض، والبحث أيضا عن نائب له. وما زالت "الحملة" مستمرة لهذا الغرض. لذلك ينهمك مهندسو المؤسسة العسكرية بالجزائر على إخراج عملية غريبة تتمثل في "تصريف" عبد العزيز المراكشي إلى ثلاثة، أي تنصيب أمين عام لـ"جبهة البوليساريو"، وتنصيب رئيس وهمي (آخر) لجمهورية وهمية، وتنصيب نائب للرئيس. وربما يريد خبراء المخابرات تجريب هذه الوصفة على نظام الانفصاليين. وفي حالة ما إذا ظهر أنها ناجعة، يمكن تطبيقها على النظام الجزائري الذي يعاني من عدة اختلالات يبقى أبرزها عدم وجود نائب للرئيس في الوقت الذي يوجد فيه الرئيس (بوتفليقة) في حالة صحية متردية. في هذه الأجواء، أقدم الانفصاليون ـ حسب ما هو مخطَّط لهم من الجزائر ـ على القيام بتمثيلية استفتاء من أجل "اختيار" نائب الرئيس، مع العلم أن اسم نائب الرئيس المنتظر معروف لدى مراكز القرار الجزائرية. ويبقى تقديم مجموعة من الأسماء للتنافس حول المنصب مجرد لعبة في انتظار الانتهاء من الترتيب النهائي للمخطط؛ والدليل على هذا أن جميع الأسماء المُقَدَّمَة مقبولة، ولا اعتراض عليها من طرف النظام الجزائري الذي يبحث، مع ذلك، عن أكثرهم تبعية وولاء وانبطاحا واستعدادا للسير على ما يريده ويخطط له هذا النظام؛ وبعبارة أخرى البحث عن من هو أكثر عداءً وعداوة وكُرْهاً وكراهية لبلده الأصلي: المملكة المغربية، وأكثر استعدادا للتنفيذ الحرفي والكُلِّي للتوجيهات والتعليمات الصادرة من الجزائر التي تخدم في النهاية مصالحها الاستراتيجية، لتضمن الجزائر بذلك الاستمرار، أطول فترة ممكنة، في تنفيذ سياستها العدائية إزاء "شقيقها" المغرب. الغريب في كل هذا أن الجزائر عوض أن تهتم بحالها ومشاكلها وبأزماتها التي تُنْذِرُ بأوخم العواقب، تجد ما يكفي من الوقت ومن الجهد، وتُسَخِّرُ ما يكفي من الطاقات، وتُنْفِق ما يلزم من الأموال، لإخراج النسخة الثانية من جمهوريتها الوهمية بقيادة وجوه جديدة ـ قديمة ليس فيها أملس، من دون أن ينتبه أحد ـ من هذه الوجوه ـ إلى مصير كبيرهم (محمد عبد العزيز) الذي تكالب على إنهاكه النظام الجزائري والمرض، وخرج خائر القوى، خاويَ الوِفَاض، لا يلوي على شيء، لدرجة لم يعد يَقْوى حتى على الحُلُم، وتم الرّمْيُ به جانبا بعد أن انتهت صلاحيته.