سامي المغربي
يبدو أن وسائل الإعلام بباريس لم تستوعب بعد صدمة وقوع صحافيين فرنسيين في الفضيحة المهنية الكبرى وتورطهما في عملية ابتزاز للنظام السياسي المغربي ومحاولة الحصول على رشوة من أجل عدم نشر كتاب عن المغرب يضمناه مجموعة من الأكاذيب كما فعلا قبل ذلك.
وكما كان متوقعا عملت وكالة الأنباء الفرنسية على محاولة تحوير الحقائق وإلباس القضية تأويلات لا علاقة لها بقضية معروضة أمام المحاكم الفرنسية التي ستفصل فيها بناء على ما توفر لها من أدلة من دون شك تدين الصحافيين اللذين ضُبطا في حالة تلبس بمحاولة الحصول على رشوة بالتسجيلات الصوتية التي تم أخذها بإذن من النيابة العامة وبناء على وثائق وقعا عليها بنفسيهما.
وكالة الأنباء الفرنسية أفردت اليوم قصاصة إخبارية لا تتوفر فيها أدني معايير المهنية المتعارف عليها في صحافة الوكالة. بعد تقديم حاول كاتبه تعويم النقاش، انتقل الى عرض وجهة نظر واحدة ووحيدة تخص فقط محامي المتهمين. وإن افترضنا أن الاستماع الى المحامي المكلف بالدفاع عن الصحافيين وتضمين أقواله في تقرير صحافي مسألة عادية فإن غير العادي عدم الإشارة في القصاصة ولو بجزء يسير إلى وجهة نظر المحامي المكلف بالدفاع عن القصر الملكي في هذه القضية، رغم أن هذا المحامي صرح بأشياء لا يقبلها عقل من قبيل أن الصحافيين تم استدراجهما لتسجيل تصريحات بطريقة سيئة!!! وطبعا لم ينس المحامي أن يلعب لعبة بعض وسائل الإعلام بباريس بالقول إن القضية تدخل في باب تصفية الحسابات مع صحافيين لا يعرفهما أحد بسبب كتاباتهما التي لا تتوفر على أدنى حد من المصداقية المهنية أما الأخلاقية فالكل أصبح اليوم يعرفها.
ومع الأسف تناست وسائل إعلام فرنسية مهنيتها وأخلاقياتها وضرورة التزامها بعدم التأثير على القضاء وانخرطت في جوقة المدافعين عن 'براءة' صحافيين مرتشيين، عبر الترويج لفكرة مفادها وبطرق مختلفة، عنوانها الأبرز أن القضية فيها تصفية حسابات بين النظام السياسي المغربي والصحافيين المذكورين لكتاباتهما البعيدة عن الصحافة الاستقصائية التي حاشا لله أن يكونا مارساها يوما.
وطبعا كان لا بد من اللوبي الجزائري الذي بات يعلم الجميع أنه متحكم في الخط التحريري لقناة فرانس24 أن يقوم بالدور الذي لعبه ويلعبه بشكل حقير ضد المغرب. هذه المرة وبمجرد وقوع الحدث وتناقله من طرف وسائل الإعلام الفرنسية، أصابت 'اللقوة' مسؤولي التحرير في القناة إياها التي اعتادت استضافة كل متآمر على المغرب وتخصيص تغطيات طويلة وعريضة لكل ما يسيء إلى مغرب يرسم مساره الديمقراطي بهدوء، وخصصت 10 ثواني لخبر توقيف الصحافيين الفرنسيين اللذين حاولا ابتزاز الملك محمد السادس، وهذا راجع طبعا إلى الصدمة التي شكلها لمسؤولي التحرير في هذه القناة!!!
ومن شدة الصدمة لجأ مسؤولو التحرير بالقناة التي تتحكم فيها أجندات العسكر الجزائري، إلى خدمات أحد الصحافيين للتعليق على الفضيحة، فقال ببساطة "ان توقيف الصحافيين لا يقلل من قيمة كتابهما"، ونحن لا يسعنا في المغرب إلا أن نقول بتهكم واضح، كيف يمكن لكتابات صحافيين متهمين بالابتزاز أن تكون كتاباتهما ذات أهمية؟ هو يقصد أنها مرجع لشلة 'عين عودة إياها'.
خلاصة القول إن استدعاء بعض وسائل الاعلام الفرنسية للجوقة إياها لتبرير ما لا يبرر وتلميع ما لا يلمع محاولة يائسة للتغطية على فضيحة "الصحافيين المفترسين". البعض يحاول تحوير النقاش والتركيز على كتابهما البئيس مهنيا، عوض السقطة الأخلاقية المدوية للصحافيين.
صحافة التحقيق والاستقصاء تقتضي فيمن يخوض غمارها التحلي بقيم النزاهة والصدق والأمانة، وفي حال ثبت العكس كما في واقعة اريك وغراسيي، فكل ما صدر او قد يصدر عنهما مؤكد انه يفتقد لأي مصداقية.
للإشارة فقط، المغرب ليس له مشكل في انتقاده أو توجيه ملاحظات بشأن نظام حكمه، ولكن المغرب يدعو إلى احترام مؤسساته والتحلي بقيم النزاهة المهنية والأخلاقية. ثم إن وسائل الإعلام الفرنسية هي آخر من يجب أن يقدم الدروس خصوصا ذلك النوع الذي ذكره مؤلف سيرج حليمي 'كلاب الحراسة الجدد' وهو المؤلف الذي يعتبر قيما بالفعل (ماشي بحال الكتوبة ديال هاذوك المرتشين) لأنه يدرس اليوم في مادة اسمها علم الاجتماع الإعلامي في أهم الجامعات عبر العالم ويفضح علاقة المال بالإعلام في بلاد الأنوار، وهو الكتاب الذي تم تحويله إلى فيلم وثائقي قبل مدة قصيرة جدا ورفضت كل القنوات الفرنسية إذاعته باستثناء القناة البرلمانية الفرنسية وإن أثار نقاشا أهم بكثير من جدل عقيم حول صحافيان مرتشيان ستحسم العدالة الفرنسية في ملفهما مع الدولة المغربية. إذن، لا داعي لأن تقدموا لنا الدروس فنحن أولى بذلك.