يجب ألا تنطلي علينا الحيلة هذه المرة أيضا. ذلك أنه وبمجرد ما انتهى جلالة الملك من إلقاء خطابه الهام يوم الخميس بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب، حتى بادرت الطبقة الحزبية كلها إلى تحريك الرأس صعودا ونزولا دلالة الموافقة على كل كلمة انتقاد أتت في الخطاب في حق هاته الطبقة الحزبية نفسها.
تذكر الكل رسالة شهيرة وجهت خلال مناظرة الرياضة إلى المشهد الرياضي المغربي، كانت مليئة بالانتقاد القاسي والمباشر والواضح من طرف جلالة الملك لأغلبية المتدخلين في هذا المشهد الرياضي المحلي، ومباشرة بعد الرسالة بادرت هاته الأغلبية إلى التأكيد على أنها متفقة مع كل كلمة أتت في الرسالة تدينها وتطالب بإبعادها عن الميدان لكنها في الوقت ذاته أكدت تشبثها بالمواصلة داخل هذا الميدان.
حزبيونا أيضا يفعلون كل مرة المسألة نفسها: يسمعون الخطب الملكية، يعرفون أن جزء كبيرا منها يعنيهم ويستهدفهم، وأن جلالة الملك يقول عبر خطبه السامية مايقوله الشعب في الشارع كل يوم، لكنهم يصرون على تمثيل دور من لم يفهم شيئا، ويصرون على أنهم هم الذين سيقومون هذه المرة وكل مرة طبعا بتنزيل كل ما جاء في هاته الخطب وإن كان جزء منهم معنيا في المقام الأول بكل ما جاء في تلك الخطب.
علينا فعلا أن نفعل المستحيل هاته المرة لكي لاتنطلي علينا حيلتهم، والحل واضح للغاية: في كل دائرة كبر أم صغر شأنها في المغرب مرشحون من أنواع مختلفة. ليس إنجازا أن تميز بينهم، وليس فعلا خارقا للعادة أن تعرف بالعين المجردة من يريد منهم خدمة الشأن العام ومن يريد “خدمة” الناس والصعود على ظهورهم إلى المناصب والمسؤوليات من أجل الاغتناء السريع أو من أجل مواصلة الخطف و”الشفرة”.
نعم، ودون مبالغة نقولها: في دائرتك سيسهل عليك أن تميز وأن تميزي بين المرشح النظيف الذي يستحق أن تمد وتمدي له صوت العون ويد المساعدة من أجل مستقبل أفضل لدائرتك، وبين المرشح القادم على أجنحة الفساد من أجل أن يزيد البلد غرقا.
هنا يبدأ دورنا فعلا في انتخابات الرابع من شتنبر، ودعوكم من هواة الشعارات الفارغة، البعيدين تماما عن الواقع وأرضه وحقائقه، ممن لا يكلفون أنفسهم إلا عناء تدبيج كلمات المقاطعة وهم في قلب راحتهم الأبدية، لأنهم بعيدون عن الشعب: المعركة اليوم هي في الميدان وفي المشاركة الإيجابية التي تزيح الفاسدين المفسدين، وتجلب المصلحين الصالحين.
لننزل إلى ميدان بلادنا ولنرتفع إلى مستقبل هذا الوطن، ولنختر جيدا، وإذا ما أخطأنا الاختيار عن حسن نية لا إشكال.
المصيبة هي أن نخطئ الاختيار لأننا بعنا صوتنا لمن أعطانا بعض الملاليم أو لأننا انتصرنا لمنطق العصبية الحزبية وإن أدركنا أن الحزب لم يرشح الأفضل، أو لأننا اعتبرنا بأن مايقع في بلادنا لا يعنينا.
دائرتنا الكبرى اليوم اسمها المغرب، وفي كل دائرة – كبر أم صغر حجمها نعيد قولها – سيلعب مستقبل هذه الدائرة، ولا حق لنا غدا أو بعد غد في التبرم أو التشكي إذا ما واصلنا نفس المنحى السلبي بمبرر أنه “ماكاينش معا من”.
نحن الذين نقرر إن كان هناك “معا من” أم لم يكن وإلا فإننا
مجرد ملحوظات لا علاقة لها بماسبق والسلام
ملحوظة لها بعض العلاقة بماسبق
مرة أخرى يؤكدها جلالة الملك في عيد الشباب: للفن القيمة الكبرى في هذا البلد، وللفنانين من مختلف الأجيال كل التحية وكل الاحترام.
الرسالة تؤكد أن الفن ليس أمرا نافلا ولا تافها ولا “فوق الشبعة”، ولكنه رهان ثقافي أساسي يوازي رهانات العيش الأخرى.
مرة أخرى وصلت الرسالة. شكرا جلالة الملك.
المختار لغزيوي.