كان خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب واضحا، وسار على نهج جده محمد الخامس طيب الله ثراه، الذي قال عند العودة من المنفى "لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، وهكذا كان الحفيد جلالة الملك محمد السادس، الذي قال إننا نفتخر بثورة الملك والشعب، ونعتبر أن تلك الثورة كان لها رجالها ولابد لنا من رجال من أجل الثورة الثانية، ثورة الديمقراطية وبناء المؤسسات، التي تقوم على النخب المخلصة وعلى الاختيار الحر. فالذكرى بالنسبة لجلالة الملك مناسبة سنوية لاستلهام روح التضحية والوطنية الصادقة، التي جسدها جيل التحرير والاستقلال، خاصة وأن بلادنا على أبواب ثورة جديدة. ويتعلق الأمر بتطبيق الجهوية المتقدمة، التي نريدها عماد مغرب الوحدة الوطنية والترابية، والتضامن بين الفئات، والتكامل والتوازن بين الجهات. وإذا كان لكل مرحلة رجالها ونساؤها، فإن الثورة التي نحن مقبلون عليها لن تكون إلا بمنتخبين صادقين، همهم الأول هو خدمة بلدهم، والمواطنين الذين صوتوا عليهم. فنحن إذن مقبلون على ثورة الملك والشعب الثانية، ولا ثورة بدون رجال. فالكرة اليوم في ملعب الأحزاب السياسية أولا والشعب ثانيا. فالأحزاب هي التي تختار النخب وتقدمها للشعب كي يصوت عليها، وبالتالي هي مسؤولة عن هذا الاختيار، فإما أن تقدم نخبا صادقة ومخلصة قادرة على تدبير الشأن العام، وإما أنها تقدم نخبا فاسدة تعرقل التقدم الديمقراطي والتنمية البشرية. والشعب مسؤول لأنه هو الذي يمتلك سلطة القرار من خلال سلطة اختيار المنتخبين، ومن خلال سلطة معاقبتهم إذا لم يقوموا بواجبهم، كما أن القوانين الجديدة منحت الناخبين حق المراقبة من خلال العرائض. إذن الموضوع أصبح واضحا. هناك رغبة ملكية في التوجه بالديمقراطية نحو آفاقها المتقدمة. وليست رغبة فقط بل هو قرار تاريخي يوم اختار جلالة الملك الجهوية المتقدمة، ويوم اختار أن يعلن للشعب عن تدشين مرحلة جديدة ودستور جديد، يمنح صلاحيات واسعة للمنتخبين وللحكومة المنبثقة عن صناديق الاقتراع، بل أعلن الثورة في منهج إنجاز الدستور حيث شارك الشعب في صياغته من خلال ممثليه. وإذا كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيرا بالانتخابات ولا يشاركون فيها، فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم، على الوجه المطلوب. بل إن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه. وهنا يجب التشديد على أن المنتخب، كالطبيب والمحامي والمعلم والموظف وغيرهم، يجب أن يشتغل كل يوم. بل عليه أن يعمل أكثر منهم، لأنه مسؤول عن مصالح الناس، ولا يعمل لحسابه الخاص. غير أن هناك بعض المنتخبين يظنون أن دورهم يقتصر على الترشح فقط. وليس من أجل العمل. وعندما يفوزون في الانتخابات، يختفون لخمس أو ست سنوات، ولا يظهرون إلا مع الانتخابات الموالية. الواقع إذن نحن أمام ثورة أضلاعها ثلاثة، المؤسسة الملكية، التي اختارت نهج الجهاد الأكبر ومواصلة الثورة، والمنتخبين والناخبين.