الملك والشعب. أبدا لم يكن للكلمتين وهما مجتمعتين معنى أفضل من هاته الأيام، بعد أن أصبحت الخطب الملكية تصدح بصوت الشعب، وتنقل للمغاربة مشاكلهم مثلما هي وتضع المسؤولين على اختلاف المناصب التي هم فيها أمام مسؤولياتهم وما هم مطالبون به.
أيضا أبدا لم يكن للكلمتين ونحن نخلد ذكرى ثورة الملك والشعب الثانية والستين دلالة أبلغ من هاته، ونحن نرى أن الشعب وملكه يواصلان الثورة على كل مايعوق تنمية البلد، وما يقف حائلا دون السير بسرعة موحدة نحو تحقيق ما يأمله ويستحقه فعلا الشعب المغربي.
وفي أيام الانتخابات هاته، حيث ينسى البعض كل شيء ولا يتذكر إلا دكانه الحزبي والنتائج التي سيعلن عنها في ليل الرابع من شتنبر المقبل، من الجيد، من الجميل، من المفيد أيضا أن ننسى هاته المشاحنات الانتخابوية وأن نتركها لأهلها وأن نتذكر تاريخنا الكبير: تاريخ المغرب العظيم.
في هاته اللحظات بالتحديد يبدو الرجوع إلى المغرب، إلى تاريخه، إلى لحظاته الكبرى التي شكلت منعطفاته العظمى أمرا مفيدا للغاية، يذكرنا أن بعض الصراعات الصغيرة التي ينخرط فيها هؤلاء وأولئك ويعتبرونها بداية الدنيا ونهايتها بالنسبة لهم في هاته الانتخابات هي صراعات لا تعني المغاربة في شيء، لذلك يبدو الشعب لهم عازفا عن تصديق مايقولونه ويفعلونه، أو بالتحديد عن تصديق أنهم يفعلون ذلك لوجه الشعب ولوجه الوطن.
لذلك أيضا أصبحت الخطب الملكية – وآخرها كان خطابا قويا للغاية في عيد العرش الماضي – لحظات انتظار قصوى للمغربي والمغربية لكي يلامسا فيها تلك الصرامة التي لم يعد يطالب بغيرها في التعامل مع قضاياه ومشاكله، وتلك هي ثورة الملك والشعب الجديدة: أن يصبح لكل هؤلاء العابرين أمامنا، المالئين الدنيا زعيقا وسبابا وشتما فيما بينهم، المدعين دوما وأبدا أنهم يخدموننا وأنهم يسيرون شأننا العام وأنهم أفضل من غيرهم بعض المعنى وبعض التبرير.
المحصلة التي وصلناها اليوم تقول لنا بكل أسى إننا أصبحنا نعتبر هؤلاء لا مبرر لهم، أناس غير ذوي موضوع، موجودون وكفى، يغيرون كلامهم فور تغيير المنصب، يرون المغرب رائعا حين يكونون في مواقع المسؤولية، ويرونه سيئا بل وأسوأ من السوء حين يخرجون من جنانها، حد عدم قدرتنا على تذكر الوعود والوعود المضادة التي أعطونا إياها في كل المناسبات دون أن يفوا بها.
هذه العلاقة المباشرة بين الملك والشعب هي علاقة للرعاية وللاحتفاء فعلا، وهي علاقة من أجل المزيد من الضغط الإيجابي لما فيه مصلحة الناس على المسؤولين في مختلف مواقع مسؤولياتهم من أجل أن يتذكروا المعنى الأول للمسؤولية: خدمة الناس أولا وأخيرا وليس خدمة المسار الشخصي وملء الحساب البنكي. وهذا لا يعني لارغبة في المساس لا بالحياة الحزبية – على علاتها – ولا استهدافا للسياسيين ودكاكينهم الانتخابية مثلما يقولون كلما ارتفع صوت ينتقدهم.
هذا الكلام يستهدف التذكير بمسار تاريخي عظيم أسس في المغرب لعلاقة استثنائية تربط الكلمتين والمؤسستين معا: الملك والشعب لما فيه خير هذا البلد، وإن تكالب عليه العديدون فقط لأجل سواد عيون مصالحهم الشخصية الصغيرة والعابرة.
هذه المصلحة الكبرى التي تعني أبناء البلد الشرعيين تسمى المغرب هي الأهم، وهي التي نحتفي بها اليوم وسنحتفي بها إلى آخر الأيام، فالمغرب كان دائما قبل العديدين، وسيبقى بعدهم وبعد رحيلهم بكل تأكيد…
بقلم: المختار لغزيوي