لا توجد متعة هذه الأيام تضاهي متعة متابعة استعداد فيدرالية اليسار الديمقراطي للانتخابات، ويكفيك أن تدخل إلى صفحتها في الفيسبوك وها أنت سعيد ومنشرح ومستمتع بالأناشيد الحماسية وبالفيديوهات الباهتة التي تظن للوهلة الأولى أنها صورت في ستينيات القرن الماضي، وهو دليل على نظافة أيديهم، وأنهم، وحدهم، ودون باقي الخلق والأحزاب المنافسة، لم يشتروا بعد هواتف ذكية مزودة بكاميرات، لأنها من اختراع الرأسمالية الأمريكية وأذنابها في كوريا.
فلا حزب في المغرب يغني مناضلوه أفضل من مناضلي تحالف اليسار، وإذا نجحوا في الانتخابات، فإننا سنضمن على الأقل تسييرا غنائيا للجماعات والجهات، وحفلات و”هذا هو العرس الذي لا ينتهي، في ساحة لا تنتهي، في ليلة لا تنتهي”، وشعارات ووقفات ومظاهرات كل يوم في خدمة المواطن.
ولا بد أن يتضمن برنامجهم الانتخابي وقفة كل يوم، ومظاهرة حاشدة كل يوم أحد، ومسيرة في وسط الأسبوع، ووعددا بتزويد البيوت بالأناشيد الثورية والهواتف برنات الشيخ إمام.
وفي الوقت الذي تسابق فيه الأحزاب الأخرى الوقت وتهيء لوائحها وتستقطب الأعيان، يغني اليساريون، وتحارب فيدرالية اليسار نفسها، ويتهم جناحها الراديكالي قيادتها بانحيازها إلى “الطرح المخزني” و”انحرافها اليميني”، فلا يجد أحد من الفيدرالية فرصة لمواجهة خصومهم ومنافسيهم خارج الحزب، وينشغل الجميع بإطفاء حرائق الداخل.
والممتع أكثر، أن جذريي الفيدرالية يعتبرون المشاركة خيانة للجماهير وللنضال، والحال أن الجماهير تحب دائما الفساد وتصوت على على أي كان إلا اليسار الذي يدافع عنها ويقول إنه يمثلها.
وستمر الساعات والأيام، وستمر الحملة الانتخابية وسيمر الرابع من شتنبر، وسيفوز من سيفوز، وينهزم من سينهزم، وسوف تجد الفيدرالية نفسها مازالت تناقش صواب موقف المشاركة من عدمه.
إن كل ما يحدث في الفيدرالية هذه الأيام ممتع، ويؤكد أن اليسار المغربي، وسواء توحد أم لم يتوحد، فإنه نسيج وحده، وعالم فريد، وإذا لم يجد سببا مقنعا ليفشل، فإنه يبحث عنه، وإذا لم يجد من يخوّن، ومن يمخزن، فإنه يخون ويمخزن نفسه.
إنه يحب الأغاني الملتزمة والأناشيد الحماسية، بينما النجاح في الانتخابات سيحرمه منها، وسيحرمه من الاحتجاج والتظاهر، وقد فطن الجذريون في الحزب الاشتراكي الموحد لحيلة المخزن، الذي يسعى إلى إسكاتهم ودفعهم إلى التخلي عن رفع الشعارات وترديد الأغاني والخروج إلى الشارع.
كان الله في عون الرفيقة نبيلة منيب، فمهما رفعت من شعارات، ومهما اتهمت الجميع بالفساد، فالرفاق لا يشبعون ولا يقنعون، ويريدون منها أن تقلب الكرة الأرضية، وأن تشارك في الانتخابات وهي تقاطعها.
لكن الفيدرالية ليست مسؤولة وحدها عن هذا الوضع، رغم أنه ممتع، وسوريالي، وغريب، ويضم تحالف أحزاب صغيرة لم تقرر المشاركة حتى شاخت وصار بعضها ذكرى من الماضي، بل المخزن هو الآخر يتحمل نصيبا وافرا من المسؤولية، والذي كان عليه على الأقل أن يخصص لها كوطا ويمنحها جماعة وجهة يغني فيها اليسار ويتظاهر ويحتج ويقمع نفسه بنفسه وينشر العدل والمساواة ويعلق الصور كما يحلو له كمكافأة على القرار الصعب الذي اتخذته.
كما أنه من الأخلاق السياسية، خاصة بالنسبة للأحزاب التي جمعت كل الأعيان، والتي تضم في صفوفها فاسدين وأثرياء وزعماء قبائل، وتلك التي توظف الله والدين، أن تعف وتنسحب وأن لا تلتهم الأخضر واليابس، وتترك الفيدرالية تفوز في بعض الجماعات، لأنه لا يستقيم، وبعد الدستور الجديد والربيع العربي، أن يخرج التيار السياسي الذي احتضن 20 فبراير ومنحها مقراته خاوي الوفاض، بينما خصوم الحراك وأعداؤه وحدهم يتمتعون بالديمقراطية ونتائجها وبالاستثناء المغربي.
وياله من ظلم أن يكتسح البام والعدالة والتنمية والأحرار والاستقلال الانتخابات، بينما الثوار يخونون بعضهم البعض، وهم الذين أوصلونا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وهم الذين منحونا هذه السعادة وهذه الحرية وهذا الرخاء.
لكنه الشعب، وكعادته دائما لا يريد
رغم كل الأغاني والأناشيد، الشعب يحب دائما من لا يقف في صفه، ولا يصوت على حزب لا يملك حتى كاميرا أو هاتفا ذكيا يصور بهما الفيديوهات التي ينشرها في صفحته الرسمية في الفيسبوك.
الشعب يحب الأعيان والأثرياء والبام والعدالة والتنمية، ومن بين كل الأغاني لا يحب إلا واحدة، وفي كل استحقاق يردد مع محمد عبد الوهاب: ما أقصر العمر حتى نضيعه في النضال.
في النضاااااااااااال.
ولن ينجح هذا اليسار
ولن يكتسح الانتخابات
ولن تتبعه الجماهير
ولن يصير أكثر إمتاعا
إلا إذا انضم إليه حزب النهج والتحق بالتحالف
فالجماهير الشعبية كلها معه
وتجلس دائما في مقهى بالرباط
وهي التي ستحدد نسبة المشاركة
وستجعلها ضعيفة
أما إذا قرر يوما ما أن يشارك
فلا أحد يمكنه حينها أن يوقف زحف اليسار
ولا زحف الأغاني
والشعارات
والتخوين
وسيشك الزوج في زوجته
والأم في أولادها
والذي نجح في نفسه
وستأتي القيامة
وسيذهب اليمين
واليسار
والوسط
والمخزن
والشعب
للقاء الله
في الآخرة.
حميد زيد كود //////