|
|
|
|
|
أضيف في 19 غشت 2015 الساعة 14 : 13
في كل مناسبة انتخابية، سأكتب نفس الكلام: المشاركة في الانتخابات ليست ترفا، بل واجبا علينا ممارسته إذا كنا حقا نؤمن باللعبة الديمقراطية.
أي نعم، كثير منا أصيبوا بالإحباط من الممارسة السياسية في هذا البلد الأمين. كثير منا يسكنهم الغبن من مواقف بعض من يمثلوننا في المجالس المحلية والبرلمان والحكومة. أي نعم، بعض ممثلي الأحزاب و”زعمائهم” قد يشعروننا بالبؤس والإحباط وفقدان الأمل… لكن، هل بالمقاطعة نغير الواقع أم أننا، على العكس، نساهم في تكريسه؟
فوجئت مثلا، كالبعض من المحيطين حولي، بأحزاب تبحث في الدقائق الأخيرة عن أشخاص ترشحهم في دائرة من الدوائر، بشكل يهين هؤلاء ويهين الحزب نفسه، قبل أن يهين متلقي الاقتراح والمواطن. أسابيع قليلة قبل بدأ الحملة الانتخابية، يتصل بعض قادة الأحزاب بأصدقاء هنا وهناك، لا علاقة مباشرة لهم بالحزب، ليسألونهم: “ما رأيك في أن تكون في لائحتنا بدائرة كذا؟”. أهكذا يتم الترشيح واختيار الممثلين؟ صُدمت في البداية، قبل أن أتدارك: بعض أحزابنا أصبحت، للأسف، مجرد دكاكين انتخابية لا غير.
لكني رغم ذلك أرفض أن أعلن استقالتي من الانتماء لهذا البلد، بإحباطاته وإنجازاته، بأحزابه، بمؤسساته، بمساره الجيد حينا والمتعثر حينا… أرفض أن أترك مكاني لغيري، يقرر عني في حياتي اليومية.
منطقي بسيط ومباشر: كلما قاطعنا الانتخابات، كلما وفّرنا فرصا أكبر للراشين والفاسدين والمفسدين. بالمقابل، كلما كانت نسبة المشاركة كبيرة، كلما صعب على هؤلاء الفاسدين الراشين التحكم مسبقا في نتائج الانتخابات. إرشاء أعداد صغيرة هو أمر في المتناول. لكن، كلما كبر عدد المصوتين، كلما تعقدت عملية الفساد والرشوة.
ثانيا، شئنا أم أبينا، رضينا أم غضبنا، فانتخابات 4 شتنبر المقبلة سيليها تشكيل مجالس محلية وجهوية تمثلنا. إما أن نساهم، قدر الإمكان، في تحديد الفاعلين فيها، وإما أن نصمت لمدة خمس سنوات على الأقل. كنت وما زلت أقولها: في الانتخابات المحلية كما في التشريعية، الأشخاص الذين يرفضون التصويت، ليس من حقهم الانتقاد فيما بعد لأنهم يساهمون في (عدم) اختيار ممثلينا. هؤلاء الذين يدبرون اليوم شؤون مدننا وقرانا، هؤلاء الذين يمثلوننا في البرلمان، سواء في الحكومة أو في المعارضة؛ هم اليوم في مقاعدهم لأن فئة صوتت عليهم ولأن فئة أخرى امتنعت عن التصويت… في النهاية، هم هنا. يمثلوننا. يسيرون حياتنا اليومية. يقررون عنا. هم هنا بفضل رضى البعض… ورغم سخط البعض الآخر.
اللعبة الديمقراطية تقتضي أن تسير الأغلبية الحكم (في المجالس المحلية والجهوية بالنسبة لهذا الانتخابات المحلية، أو في الحكومة خلال الانتخابات التشريعية). حين نشارك بالتصويت، فنحن ضمنيا نقبل بلعبة الديمقراطية. حين نقاطع، لا يحق لنا لاحقا الانتقاد، لأن ذلك يصبح عبثيا؛ فقد ساهمنا في إنتاج الوضع. لنتذكر أيضا أن دولا مثل البرازيل، استراليا، تركيا، بلجيكا، كوسطا ريكا واليونان تفرض التصويت الإجباري تحت طائلة غرامات مالية.
بالمقابل، أود أيضا أن أشير لتفصيل مهم أعتبره خللا في قانوننا الانتخابي. اليوم، التصويت الأبيض لا يتم احتسابه ضمن النتائج النهائية. بمعنى أن تصويت المواطنين المقتنعين بضرورة التصويت، لكن غير المقتنعين بأي من اللوائح المرشحة من قبل الأحزاب، والذين يصوتون بورقة بيضاء، يعتبر مجرد تصويت ملغى، تماما كالتصويت الخطأ. هذا برأيي خلل تجب معالجته لكي يتم احتساب التصويت الأبيض بشكل مستقل. من حق المواطن اليوم بأن يقول بأنه يؤمن باللعبة الديمقراطية، بأنه يصوت؛ لكنه أيضا غير مقتنع بأي من الأحزاب والبرامج واللوائح المقدمة.
لنتخيل انتخابات تفرز فيها النتائج 20 بالمائة مثلا من الأصوات البيضاء. هذه ستكون رسالة واضحة للأحزاب والنخب السياسية. التصويت الأبيض ليس صوتا ملغى أو خاطئا. التصويت الأبيض هو تعبير عن موقف سياسي يجب احتسابه لكي نفهم المشهد السياسي وموقف المواطن من هذا المشهد.
بانتظار ذلك.. ولأني أعتبر التصويت حقي وواجبي كمواطنة تؤمن بانتمائها لهذا البلد، رغم إحباطاتها، سأصوت… لم أقرر بعد لمن سأمنح صوتي، فالممارسة السياسية والنخب السياسية أصابتني، كما الكثيرين، بالإحباط… لكني سأصوت لأني أرفض أن يقرر آخرون عني…
سناء العاجي
|
|
2124 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|