تركت ندوة منتدى أصيلا «العرب ان نكون او لا نكون» النقاش مفتوحا حول أصوليتين تهيمنان على النقاش في منطقة جنوب المتوسط. يتعلق الامر بالأصولية الدينية وبالأصولية القومية.
لقد كانت دعوة المفكر المصري مصطفى الفقي، في مداخلته، الى «فك الاشتباك بين الدين والدولة» مناسبة لظهور رأيين مختلفين، حد التناقض، بين من يدعو الى فصل الدين عن الدولة كخطوة أساسية لبناء الدولة المدنية وتجاوز استبداد التيوقراطية، وبين اصحاب نظرة استحالة الفصل بين الدين والمجتمع ، انطلاقا من مسوغات تاريخية ومجتمعية وسياسية أيضاً . وكان على رأس المدافعين على الرأي الثاني ، في الندوة، وزير الخارجية السوداني السابق مصطفى عثمان إسماعيل. دفاع عثمان ينسجم مع انتمائه الى منظومة سياسية تحكم السودان من منطلق أصولي تيوقراطي.
اما بالنسبة الأصولية الثانية والمتمثلة في القومية العربية بشعاراتها الكلاسيكية، فطغت على الندوة خصوصا من قبل ضيوف المنتدى من المشرق الذين ما زال البعض منهم متشبعا بشعارات القومية العربية. وقد استفز هؤلاء رأي أحد المتدخلين في القاعة الذي صرح بانفعال «أنا لست عربي».
أنا لست عربيا التي قالها المتدخل خلقت نقاشا جانبيا، ووجدت رفضا من قبل المشارقة بالخصوص وهذا طبيعي ناتج عن الإختلاف في التركيبة المجتمعية بين المشرق العربي وبين بلدان شمال افريقيا.
المدافعون عن العروبة ينطلقون من كون المنطقة في حاجة إلى موحد يتيح التكتل، مستعملين في ذلك حجة ضرورة وجود عامل موحد يتمثل بالنسبة لهم في العروبة. هذا الرأي طبعا يجد صعوبة في القبول انطلاقا من كون الوحدة لا يمكن أن تتم عن طريق إقصاء الروافد الأخرى خصوصا بالنسبة لبلدان شمال إفريقيا المتميزة بالتنوع.
النقاش في هذه النقطة بالذات يبرز فشل شعارات القومية العربية القائمة على الإقصاء، ولو بحسن نية وبرغبة في خلق الوحدة. هذا الأمر يتطلب مراجعة جذرية تكون فيها الوحدة مبنية على التنوع والإختلاف.
أما بالنسبة للأصولية الدينية فلا مفر من فصل الدين عن الدولة أو على الأقل فصل الدين عن السياسة وبناء الدولة المدنية. النقاش الذي دار بهذا الخصوص أبرز مرة أخرى أن الأصولية الدينية تعارض قيام الديموقراطية في بلدان جنوب المتوسط. وإذا كانت القومية العربية بشعاراتها الكلاسيكية قد فشلت، فإن الإسلام السياسي قد أغرق المنطقة في التباسات خطيرة من نتائجها هذا العبث الذي نعيشه اليوم في المنطقة.
وبين الأصوليتين المذكورتين فإن كل شعارات الوحدة والتكتل لا مكان لها في المنطقة دون تحقيق الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان كما سطرتها المواثيق الدولية. غير ذلك ستظل الشعارات تتوالى والشرخ يتعمق.. ولن نكون…
حكيم بلمداحي