مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات المهنية و الغرف بمختلف أنواعها، و انطلاق التحاليل حول نتائجها التي أعلنت عن تصدر حزب الأصالة و المعاصرة للمكتبة الأولى، و حصول العدالة و التنمية عن المرتبة السادسة…، وإن كنت لست في معرض تحليل النتائج نفسها، و ما يمكن أن تعنيه مستقبلا خاصة فيما يتعلق بالاستحقاقات المقبلة الجماعية و التشريعية، فقد استوقفني كما يمكن أن يكون قد حدث للكثيرين، تعليق رئيس الحكومة و بعض قيادات حزب العدالة و التنمية على تصدر البام لهذه الانتخابات، التي خلصت مجملها إلى اعتبار هذا التصدر هو استمرار ”للهيمنة”و ”لحزب الدولة”، بل عاد رئيس الحكومة إلى التذكير بطلب ”حل الحزب لارتباطه بطيئة التأسيس”…؛ بل ذهب القيادي يتيم أبعد من ذلك عندما اعتبر بأن تصويت الناخبين على البام هو نابع من اعتقاد بأن البام ”حزب الدولة”..
هذه التصريحات كان يمكن القبول بها سنة 2009، و كان يمكن القفز عليها بل تبنيها لو كان المغرب لم يعش حراكه السياسي، الذي توج بدستور فاتح يوليوز، و قامت الدولة بالعديد من الاجراءات لفك أي ارتباط محتمل لها بهذا الحزب، كما عرف المغرب انتخابات مبكرة توجت العدالة و التنمية على رأس الحكومة…، و غيرها من التطورات التي تجعل من القول و التساؤل عن استمرار حزب الدولة أو البنية الموازية كما سماها حسن أوريد مقبولا اليوم؟؟ و هذا يحيل إلى طرح سؤال آخر عن ما هي الدولة؟ و هل الدولة اليوم في حاجة إلى درع حزبي؟ و لأي وظيفة قد تحتاجه الدولة؟ و هل هناك دولة غير الدولة التي نعرفها، و التي يترأسها الملك و يترأس حكومتها السيد عبد الإله بن كيران؟؟
إنها أسئلة يجب أن تطرح اليوم، لأن تعليقات رئيس الحكومة و قيادات أخرى تجعل المتتبع لها يشعر بأن هناك دولتين، في دولة واحدة، و بأن هناك سلطة أخرى غير السلطة المحددة بالدستور و الموزعة بين المؤسسة الملكية، المؤسسة التنفيذية و التشريعية.
شخصيا كنت قد كتبت مقالا مباشرة بعد انتخابات 2011 اعتبرت فيها أن البام تحول إلى حزب و فاعل سياسي عادي، اليوم و مع استمرار مثل هذه التصريحات التي بالتأكيد تدخل في إطار التخويف و التهييج… و التعبئة الداخلية للقواعد الحزبية لحزب الأغلبية، فإنه يجب الإشارة إلى ما يلي:
– البام كغيره من الأحزاب السياسية يشارك في هذه الانتخابات في ظل ترأس غريمه للحكومة التي يتوفر من خلالها على مختلف المفاتيح القانونية لمراقبة السلوك الانتخابي لهذا الحزب و لغيره من الاحزاب، فبدل استعمال خطاب التهويل كان و لابد أن يقوم رئيس الحكومة بتقديم مختلف الوقائع الانتخابية التي قد تدين هذا الحزب التي من خلالها نستنتج بأن هناك جهة ما داخل الدولة تدعمه.
– منذ دستور فاتح يوليوز أصبح الولاة و العمال تحت سلطة رئيس الحكومة، بل نتذكر كيف أن الملك هو من قام بتعيينهم بناء على اقتراح من رئيس الحكومة، فهل يتصور أن رئيس الحكومة سيعين على رأس الإدارة الترابية من هم تحت سلطة شخص أو جهة أخرى غير سلطة الدستور و الحكومة؟ و إذا كان كذلك فما على رئيس الحكومة إلا عزله، و جميعنا تابعنا كيف اتهمت إحدى عضوات العدالة و التنمية عامل الرحامنة بالضغط عليها لكي لا تقدم ترشيحها، و عند إيفاد لجنة للتحقيق تمت تبرئة العامل، دون أن نسمع عن مصير هذه السيدة التي قدمت هذا الادعاء الكاذب الذي يضر بصورة مؤسسات البلد و بعمليته الديموقراطية.
– الانتخابات الحالية و انتخابات 2011 التي شارك فيها حزب الأصالة و المعاصرة، و هي الانتخابات التي قبل الجميع بنتائجها و بنزاهتها، و الطعون التي قدمت سابقا أو تلك التي قد تقدم مستقبلا هي عادية و تظل اختصاصا خالصا للقضاء للبث فيها، والتي بوأت الأصالة و المعاصرة المراتب التي حصل عليها، جعلت منه حزبا و فاعلا حزبيا عاديا، يلعب داخل القواعد الانتخابية و الديموقراطية التي يدخل ضمن إطارها مختلف الأحزاب السياسية، قد ينهزم كما قد ينتصر.
– اللجنة التي شكلت من مختلف الأجهزة الأمنية إلى جانب وزارة العدل و الداخلية للتأكيد على حياد الادارة، و على نزاهتها، تجعل من مثل هذه الادعاءات محط تساءل كبير، مادامت مختلف الأجهزة تشتغل إلى جانب الحكومة و بالتوازي معها لضمان مرور هذه الاستحقاقات في أحسن الظروف، و تجعل من رئيس الحكومة و القيادات التي صرحت بأن البام حزب الدولة أن يوضح لنا ما هي الدولة مادام مختلف المؤسسات بدءا من المؤسسة الملكية إلى مختلف الأجهزة في حياد بل منها ما هو خاضع للحكومة و لرئيسها، هل هناك دولة مرئية و أخرى خفية؟
– السيد رئيس الحكومة في كل مرة يذكر بموجبه بحل حزب البام، و هو المطلب الذي يذكرنا و يذكر به دائما العدالة و التنمية كيف أن هناك من كان يريد حل حزبه بعد أحداث 16 ماي، فهل يمكن القبول باستعمال نفس المنطق؟ أليس الأذكى إن كان هناك ما يستوجب حل هذا الحزب او غيره من الاحزاب ان يتوجه للقضاء الذي يظل صاحب الاختصاص، أما أن يقوم رئيس الحكومة في كل مرة بتقديم هذا المطلب فهو مطلب غير ديموقراطي و مسيء له و للمنصب الذي يحتله، بل و لا يليق بالتجربة الديموقراطية التي عرفها المغرب منذ حراك 20 فبراير.
لست هنا في مجال الدفاع عن حزب الأصالة و المعاصرة، بل في معرض الدفاع عن الديموقراطية ببلادنا، و عن تجربتها الفتية، المتطورة، و عن مختلف التغيرات الإيجابية التي تجعل من أي إساءة لها إساءة للعملية كلها، و إذا كان هناك ما يآخذ على أي حزب فما على رئيس الحكومة إلا التوجه للقضاء لا التشكيك في العملية كلها، و هو التشكيك الذي يضر بالبلد و بمؤسساتها.
نوفل البعمري