بوحدو تودغي
لم نكن نتوقع أن يصل الجنون بالنظام الجزائري إلى هذا الحد. ما كنا نعرف أنه يخاف من الأغنية المغربية، نعني الأغنية الشعبية والعصرية التي تتناول موضوع العاطفة وليس السياسة أو الوطنية.
لم نكن نعرف أن هذا الخوف موجود بأوساط الجزائريين الحاكمين، حتى قرأنا في بعض الإعلام الجزائري الرقمي مذكرة مدهشة للغاية، وجهتها الإدارة العامة للإذاعة الوطنية الجزائرية إلى كل الإذاعات الجزائرية، حتى الخاصة منها، والتي تحمل أمرا صارما بعدم بث الأغاني المغربية بشكل مكثف ودائم، على موجات هاته الإذاعات.
وكانت المذكرة، المعلقة اليوم في مقرات كل الإذاعات الجزائرية كما هي العادة، واضحة وتحمل تهديدا للعاملين بهذه المؤسسات الإعلامية، حيث قالت "ليكن في علم المنتجين والتقنيين وطنيا وجهويا أنه من الممنوع بث الأغاني المغربية بشكل دائم ومسترسل".
وقالت المذكرة أنه إذا طلبنا منكم عدم بث الأغاني المغربية بشكل مكثف ومسترسل فهذا يعني أن هذه الإذاعات كانت تبث بشكل مكثف ومسترسل الأغاني المغربية، في عز الأزمة الديبلوماسية بين الجزائر والمغرب وفي ظل برود هذه العلاقات، مشيرة إلى أن المستمع يقبل بشكل كبير على هذه الأغاني.
وحاولت المذكرة أن تبرر هذا المنع كون بث الأغاني المغربية بهذه الطريقة المكثفة يكون إشهارا للمغنين المغاربة وترويجا لمنتوجهم في الجزائر، مما يجعلهم يحلون ضيوفا في العديد من المناسبات على المهرجانات والملتقيات الفنية، وذلك على حساب الفنان الجزائري المحلي، موضحة أن بث هاته الأغاني يكون في ساعة الذروة أي لحظات الاستماع المكثفة.
قد يقبل المرأ مبررا مثل هذا حرصا على الفنان الجزائري وعلى إنتاجه وحتى على رزقه، لكن غير المقبول أن يتم اعتبار بث هاته الأغاني بشكل مكثف ومسترسل وراءه يد للمغرب، وأن قرار المنع يؤكد هذا المعطى وأن المسألة ليس وليدة الصدفة بل هي نتاج عمل مدبر.
الحمد لله أن المغرب يعتبر الفنانين الجزائريين في مختلف الإبداعات أشقاء لنا ومنهم من يعيش بيننا ومنهم من تزوج بمغربية، بل يشاركون حتى في وصلات الإشهار، ليس لشيء سوى لأن المغرب يعتبر الفن مقدسا وينبغي أن يبقى بعيدا عن النزاعات السياسية والصراعات مهما كان نوعها.
وتساءلت الصحافة الجزائرية ما إن كانت الإدارة العامة قد أجرت تحقيقا لتعرف المتسبب في هذا الموضوع ومن يقف وراءه وهل هي مخترقة؟ ومما عبر عن سذاجة القوم هو إدعاء أن هذا البث المكثف يأتي في ظل التوتر الذي تعرفه العلاقات المغربية الجزائرية، حيث عبر المغرب عن عدائه للجزائر من خلال الكاتب المرتبط بالقصر الطاهر بنجلون الذي كتب مقالا تحت عنوان "المغرب والجزائر والورطة الكبرى". الجزائر تكره الطاهر بنجلون لشيء واحد لأنه نافس بشكل كبير كتابها الفرنكوفونيين أما ما عدا ذلك فالرجل مبدع ومثقف له أراؤه التي يعبر عنها.