|
|
|
|
|
أضيف في 26 يوليوز 2015 الساعة 53 : 13
* الصادق بنعلال
" عندما نطالب بالديمقراطية في الوطن العربي فإنما نطالب في الحقيقة بإحداث انقلاب تاريخي لم يشهد عالمنا ... له مثيلا . و إذن فلابد من نفس طويل و لا بد من عمل متواصل ، و أيضا لا بد من صبر أيوب . و إذا حدث أن أسفرت تجربة ديمقراطية ما ، عن غير ما كان يجب أن تسفر عنه ... فينبغي أن لا نكفر بالديمقراطية ذاتها .. فالديمقراطية في مجتمعاتنا العربية ليست قضية سهلة ... بل هي ميلاد جديد ، و بالتأكيد عسير " : محمد عابد الجابري.
1 لم يكن حراك الشارع العربي الذي انطلق سنة2011 من تونس ليمتد إلى أغلب الأقطار العربية حدثا بسيطا ، و لا أمرا هينا أو " برق سحابة لم تمطر"، بقدر ما أنه شكل منعطفا مفصليا في تاريخ الأمة العربية الحديث ، فبعد النضال المرير ضد الاستعمار الأجنبي ، و حصول الدول العربية على " استقلالها " ، اكتوت الشعوب بلهيب القمع و الاستبداد و القهر من قبل " أصحاب الفخامة و الجلالة و السمو " ، و جرت مياه غزيرة تحت جسر الأمة العربية المنهكة بجراح الاضطهاد و الجبروت ، و الهزائم العسكرية المتتالية ، " ليكتشف " المواطن العربي أنه أمام حقائق تاريخية دراماتيكية : نظام سياسي تسلطي من " الماء إلى الماء " ، و حرمان شبه كلي من الحياة الكريمة ، و الاحتلال الإسرائيلي المكلف و المهين .. و عوض الذهاب رأسا للعمل يدا في يد ، من أجل إيجاد حلول قومية جذرية لحالة الضياع و " الخسران المبين " ، و إقامة وحدة عربية مسنودة بجيش مدرب حديث و ذي جهوزية فعالة ، للدفاع عن الثغور ضد العدو الأجنبي ، و سوق عربية مشتركة للإقلاع الاقتصادي الشامل ، و نسق سياسي ديمقراطي حقيقي يكفل لكل الشعوب العربية تقرير مصيرها الوجودي .. أبت الأنظمة العربية إلا أن تسلك نهج الحكم الفردي الطائش ، القائم على الأسر الحاكمة و الاستحواذ على مقدرات الشعوب و الصراع الطبقي و النعرات المذهبية و القبلية / الطائفية .. فكان لابد مما ليس منه بد ، لا بد من هدم جدار الخوف و الاستسلام ، و الانفجار بل و الثورة على الأوضاع السياسية و الاجتماعية المجحفة ، و كان ذلك على شكل أمواج بشرية رهيبة ، اكتظت بها ساحات التحرير و التغيير في مختلف دول الربيع العربي مطالبة بالكرامة و العدالة و الحرية .. و أسقطت " زعماء " طالما عاثوا في الأرض فسادا واستبدادا ، و أوصلت لبضعة أشهر فاعلين سياسيين جدد ( المنتمين لتيار الإسلام السياسي المعتدل ) إلى السلطة ! .. و قبل أن تستنشق الشعوب العربية نسيم الحرية ، أعد خصوم التغيير " أمرهم ليلا " للانقلاب على إرادة الأمة ، و إعادة الأمور إلى " حالتها الأولى " ، ليعم الخراب و الدمار البلاد و العباد ، و باقي تفاصيل " القصة " نراها يوميا بالصوت و الصورة فائقة الجودة ! فما هي الأطراف التي تواطأت على وأد الربيع الديمقراطي ؟
2 أعداء الربيع العربي كثر ، استشعروا مخاطر رياح الديمقراطية على مصالحهم الإستراتيجية و مآربهم الانتهازية ، و على رأسهم غالبية الحكام العرب الذين لم يستسيغوا جرأة " الرعاع " ، و إصرارهم على مطالبة " أسيادهم " بالتوزيع العادل للثروة أو الرحيل ، فانتفضت الدولة العربية العميقة بمعية الجيش " الباسل " لوأد الأمل في التغيير و الإصلاح ، و يمكن القول إن الانقلاب العسكري الدموي المصري على الشرعية الديمقراطية و البرلمان و الدستور و الرئيس المنتخب و الحكم عليه بالإعدام ، و الإفراج الغرائبي عن الديكتاتور المخلوع حسني مبارك .. صورة معبرة عن مدى توغل مخالب الدولة القهرية في مصير الشعب العربي المضطهد ! و لم يقتصر عداء الربيع الديمقراطي على نظم الحكم البائدة ، و إنما شمل أيضا الجماعات الدينية المتطرفة التي ترفض رفضا مطلقا المؤسسات السياسية العصرية " الجاهلية " ، و تميل ميلا إلى استنساخ التجارب التاريخية المتقادمة و المتناقضة مع منطق العصر الحديث ، فانتشرت " جبهات " النصرة و تنظيم الدولة .. لممارسة هوايتها المفضلة المتمثلة في ترهيب السكان عبر القتل و الفتك و إراقة الدماء بدم بارد على أمل إعادة إحياء نظام الخلافة المزعوم ! كما أن عداء الربيع الديمقراطي صدر أيضا عن جهات " حداثية و ليبرالية و علمانية " جدا ! وضعت يدها في يد العسكر و فلول الأنظمة التي لفظها الشعب ، للحيلولة دون وصول خصومهم من الإسلاميين المعتدلين إلى مراكز القرار و الحكم ، بعد أن تيقنوا أن الفوز عليهم في الاستحقاقات الانتخابية شبه مستحيل . و إلى جانب المتآمرين الداخليين و الأساسيين على تطلعات الشعب العربي نحو التقدم و التنمية ’ هنا متآمرون خارجيون و في مقدمتهم أمريكا و الغرب على وجه العموم ، هذا الغرب الذي كان و ما زال يتعاطى مع الشؤون العربية من زاوية استعمارية استغلالية ، و بالتالي فإن زرع القيم الديمقراطية و انتهاج المسالك السياسية الحديثة ، ستفضي لا محالة إلى بروز تيارات شعبية دينية و علمانية وطنية تؤمن بحقها في تقرير المصير ، و استقلال القرار السياسي و العسكري و الاقتصادي و الثقافي .. و وضع حد للتبعية ، مما سيلحق أضرارا استراتيجية ب " الديمقراطيات الغربية " . و في نفس السياق شكلت إسرائيل رقما محوريا في معاداة الربيع العربي ، لأن وجود أنظمة عربية ديمقراطية بحصر المعنى يعني إعادة النظر في اللعبة السياسية الشرق الأوسطية جملة و تفصيلا ، و طالما عبر مسؤولون صهاينة عن تخوفاتهم المرضية من دخول العالم العربي نادي الديمقراطيات العالمية . دون أن ننسى إيران التي عبثت و إلى حد كبير بمصير عدد من الأقطار العربية لكبح جماح التطور و إنجاز حلم التحول الديمقراطي ، و ما يقع في سوريا و اليمن من اقتتال داخلي قل نظيره في العالم العصري ، هو " بفضل " المساندة الإيرانية اللامشروطة للمستبدين و المتوغلين في دماء شعوبهم ، و إدامة " التراجيديا الإنسانية " العصيبة . فماذا بقي أمام العرب من خيارات ! ؟
3 ليس أمامهم إلا خيار واحد ، انتهاج سبيل الديمقراطية وسيلة للحكم و الرِؤية و التعاطي الإيجابي مع قضايا المجتمع ، و القطع مع المسلكيات السياسية منتهية الصلاحية ، و التصالح مع الشعوب بعد عقود من القمع و التهميش و الإقصاء .. إن جميع الدول العربية بدون استثناء " ملكية " و " جمهورية " و " أميرية " مطالبة بالإنصات إلى نبض الشارع ، و إشراك جميع ألوان الطيف من الشعوب العربية في صناعة المستقبل و صياغة غد مشترك ، عبر خلق فضاء ملائم لخوض تجارب ديمقراطية حقيقية ، تكون فيها السيادة للشعب و للشعب وحده ، من خلال استحقاقات سياسية تتنافس فيها الهيئات و التيارات الدينية و العلمانية الحقيقية ، في مناخ من الشفافية و الحرية و المساواة ، و التداول السلمي على السلطة ، و المساهمة الجماعية التشاركية لإنجاز وثيقة دستورية شعبية ، تكون بمثابة القانون الأسمي للبلاد ، و الفصل التام بين السلطات ، و فسح المجال لإعلام تعددي و حر ، يؤمن بالرأي و الرأي الآخر ، و إصلاح بنيوي لنظام التعليم ، و التنافس على بناء المؤسسات و المعاهد العلمية و التكنولوجية و العسكرية بالغة الجودة ، استعدادا للمستقبل المنظور .. لم يعد أمام العرب مزيد من الوقت للهو المجاني ، و تبديد مال الشعوب في " المشاريع التافهة " و المنجزات المخجلة ! " يتوفر " العرب على المال و الثروة التي بإمكانها أن تجعل منهم شعوبا صاعدة ، بيد أنهم يفتقرون إلى النضج و الروية و رجاحة العقل ، و الاحتكام إلى القيم الإنسانية ، و القوانين و المواثيق المتعارف عليها دوليا . أما الشعوب العربية الأبية فعليها أن تدرك أن تضحياتها لم تذهب سدى ، و أن معركة النصر الديمقراطي طويلة و شاقة ، و لم يحصل في التاريخ الإنساني الحديث و المعاصر أن انتقل شعب من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة الحكم الرشيد بسلاسة و يسر .. ليس أمام العرب إلا الديمقراطية المنقذة من " ضلال " الفساد و الاستبداد ، أو الطوفان الذي لا يبقي و لا يذر ، فلهم وحدهم القرار و لهم وحدهم ... الاختيار ! !
* كاتب من المغرب
|
|
2714 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|