لنُذكّر بالواقعة: فتاتان في سوق إنزكان ترتديان تنورتين قيل بأنهما قصيرتين. تعرضت الفتاتان للتحرش من طرف شابين طلبا رقم الهاتف.
أمام رفضهما، انفعل الشابان وشرعا في تعنيفهما لفظيا، قبل أن يلتحق بهما العشرات من البائعين في مشهد عنف كاد أن يتطور لولا أن لجأت الفتاتان لمحل تجاري واتصلتا بالشرطة لحمايتهما.
وصلت الشرطة، لكنها، بدل القبض على المتحرشين، ألقت القبض على الفتاتين اللتين قضيتا ليلة في السجن، قبل أن تتم متابعتهما في حالة سراح بتهمة «الإخلال بالحياء العام».
ولأني امرأة أعيش في هذا الوطن الذي اختزلَ إحباطاتِه في جسدي، أعيد استحضار الشريط برعب.
أستطيع أن أجزم بأنه ليست هناك امرأة في المغرب، مواطنة أو سائحة، شابة أو في سن متقدم، عزباء أو متزوجة وأحيانا حامل، بتنورة قصيرة، بجلباب، ببنطلون جينز، بحجاب أو بغيره… إلا وتعرضت للتحرش أكثر من مرة. ولعل كل واحدة منا تعرضت ولو مرة واحدة لتحرش عنيف جعلها تشعر بالخوف على أمنها وسلامتها… لذلك فكل امرأة منا، مهما كان أسلوب لباسها ومستوى جمالها وسنها، يمكنها، بعد حادثة إنزكان، أن تستعيد مشاهد رعب عاشتها، كان يمكن أن تتطور بهذا الشكل المخيف.
يحاول البعض أن يقنعنا بأن ما وقع في إنزكان مجرد حادثة عابرة يضخمها البعض، وسيستفيد منها البعض انتخابيا. بأن نساء المغرب عموما لا يعانين من اغتصاب حريتهن. بأن المغرب استثناء في المنطقة. بأن حالات التحرش الموجودة «ليست مزعجة»، بأنها «تعبير عن الإعجاب بجمالنا». إلخ..
أعترف أيضا أني صعقت من أشخاص يحاولون تبرير ما حدث: «الشرطة القضائية تابعت الفتاتين لأن تنورتيهما كانتا أقصر من اللازم»؛ «الصورة هنا لا تطرح إشكالا لأن التنورة تصل إلى غاية الركبة، خلافا لتنورتي فتاتي إنزكان»، إلخ. هل سنحدد اليوم، أفرادا وقانونا ومؤسسات أمنية وقضائية الطول المسموح به لتنوراتنا وفساتيننا؟ ومن الذي سيقرر هذه المعايير؟
ولأني امرأة. ولأني لست أقل حبا لهذا الوطن ممن يحاولون التخفيف من هول ما حدث. ولأني أحاول قراءة الأحداث وربطها ببعض، أقول: لا… ما وقع ليس مجرد حادثة عابرة. كنا في السابق «نتواءم» إلى حد ما مع واقع التحرش. نندد به. نشتكي منه. لكن ما حدث في إنزكان يشكل مأسسةً له واعترافا بحق الرجل فيه.
يمكن الآن لأي رجل أن يتحرش بمن شاء من النساء حدَّ تهديد سلامتهن. سيكون بإمكانه أن يذهب إلى حال سبيله، وستتم متابعة المرأة قضائيا بتهمة الإخلال بالحياء العام.
اليوم، نحن نعتبر بأن تعرض الآلاف (الملايين؟) من نساء البلد للتحرش الجنسي، لا يطرح إشكالا. فالتحرش الجنسي هو، بالتأكيد، بسبب ملابس النساء. ماذا إذن عن آلاف الأطفال الذين يتم اغتصابهم سنويا؟ هل الطفلة المغتصبة في سن الأربع أو الخمس سنوات أثارت شهوة الرجل المسكين؟ ماذا عن حالات اغتصاب نساء عجائز، وأحيانا من طرف مقربين منهن (ابن، قريب، إلخ)؟ ألا يعني هذا أن هناك خللا في ذهنية عدد كبير من الرجال، الذين لا يتصورن المرأة خارج الجنس وخارج جسدها، والذين تحركهم أجهزتهم التناسلية أكثر مما تحركهم القيم والعقل والضمير والأخلاق؟
هل سيقان النساء تهدد الحياء العام، لكن التحرش بهن لا يهدده؟ هل تنورات النساء تهدد الحياء العام، لكن الاغتصاب والرشوة والفساد لا تهدده؟ هل فساتين النساء تهدد الحياء العام، لكن الرجال الذين يُخرجون أعضاءهم التناسلية للتبول في الشارع لا يهددونه؟ هل شَعر النساء يهدد الحياء العام، لكن اغتصاب النساء والأطفال والعجائز لا يهدده؟
أن يحرك جسد المرأة شهوة الرجل هو أمر مفهوم، تماما كما يحرك جسد الرجل الجميل شهوة المرأة وإعجابها. لكن كوننا بشرا متحضرين يفترض أن يجعلنا نتحكم في شهواتنا وغرائزنا.
أن نرتمي كوحوش على ما تشتهيه أنفسنا هو سلوك ربما ترتقي عنه بعض الحيوانات أنفسها.
إنها ليست ثورة من أجل الحق في ارتداء التنورة القصيرة. إنها ثورة من أجل حفظ كرامة المرأة وحريتها التي تتراجع يوما عن يوم.
ليس على الرجل ولا القانون ولا المحكمة أن تحدد لنا ما يحق لنا أن نلبسه وما هي الفضاءات العامة التي يحق لنا ارتيادها.
جسد المرأة كان وما يزال مصدر هواجس للكثيرين ممن يعتبرونه الخزان الوحيد للأخلاق والقيم. لكن الوضع استفحل في الشهور والسنوات الأخيرة. وهذا أمر عليه أن يستوقفنا جديا لأننا، في ميدان الحريات الفردية، لا نستطيع ضمان مكتسباتنا، نساء ورجالا، إلى الأبد. يمكن في أي لحظة أن تتراجع هذه المكتسبات، إذا تساهلنا مع ما نعتبره اليوم مجرد حالات عابرة. تجارب بلدان كثيرة تثبت بأن احتمال التراجع وارد جدا، حين لا نقرأ تحولات المجتمع بشكل جدي وجاد.
ختاما، أستحضر عبارة لسيمون دوبوفوار: «لا تنسوا أن أقل أزمة سياسية أو اقتصادية أو دينية تكفي لكي يتم التراجع عن حقوق النساء. هذه الحقوق ليست ولن تكون مكتسبة إلى الأبد. لذلك، فعليكم أن تظلوا متيقظين دائما».
صورة المقال هي للمغربيات سنة 1968
سناء العاجي.