كان درسا دينيا جيدا ذلك الذي تناوله أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أمام جلالة الملك أمير المؤمنين في افتتاح الدروس الحسنية الرمضانية، ويتعلق بأبي العباس السبتي، العالم المغربي الكبير وأحد رجالات التصوف الذين لا يمكن المرور عليهم دون الحديث عنهم، رغم عوادي الزمن ورغم الهجوم السلفي القوي. ومن ميزة هذا الدرس الديني أن أمير المؤمنين هو الذي أشار على وزير الأوقاف بتناوله في افتتاح الدروس الحسنية الرمضانية، بما يعني أن إمارة المؤمنين تعتني كل العناية بالتراث المغربي، الذي هو في الحقيقة جاد ومتجدد ويغني عن كل فكر وفقه مستوردين من الشرق. أبو العباس السبتي أكبر أولياء مدينة مراكش لا يخلو من ذكره كتاب عن التصوّف في بلاد المغرب، وهو أشهر رجالات مراكش السبعة على الإطلاق. وشهد السبتي، حسب التوفيق، الوقائع العظيمة في عهود أربعة من الخلفاء وهم عبد المؤمن، ويوسف، ويعقوب المنصور، والناصر، حيث انطبقت حياة أبي العباس بمراكش على أوج حضارة المغرب في ذلك العصر، زمن كبار ساسة المغرب والأندلس وعظام شيوخ الحضر والقبائل من مصمودة وغيرهم، في وقت كانت مراكش تعج بالفقهاء والأدباء والزهاد والفلاسفة والأطباء، وكان يصنع فيها المصير السياسي لمعظم جنوبي حوض البحر المتوسط، ومجال واسع من شماليه الغربي. وحول مذهبه في التضامن، فقد بدأ مذهبه التضامني العملي بالإنفاق على طلبة العلم الواردين على مراكش، حيث ما لبث أن اشتهر بالجلوس في الأسواق والطرقات، وحض الناس على الصدقة، ويذكر ما جاء في فضلها من الآيات والآثار فتتوارد عليه الصدقات، فيفرقها على المساكين وينصرف، مما جعل مذهبه في التضامن يدور على هذا المنوال، أخذ المال من البعض وإعطائه للبعض الآخر. فبخصوص القراءة الشرعية، فإن أهم ما يبرز منها يتعلق بترتيب الأولويات حيث اعتبر أبو العباس أن الإنفاق هو الذي ينبغي أن يكون في مقدمة أعمال التدين، أي أن يعبد الله عن طريق إسداء الخير للغير قبل كل شيء. وما أثله أبو العباس السبتي من قواعد فقهية ومناطات في السلوك الصوفي حري بأن يكون نموذجا للمغاربة، بدل البحث في استيراد الفتاوى الفقهية من الشرق. فالسبتي أسس مدرسة واقعية في التدين، وربط بين استنباط الأحكام الفقهية والنوازل وربط بين الذكر والعمل، حتى أصبح مذهبه يعرف في العالم الإسلامي بمذهب الجود. ولا غرو أن يكون أمير المؤمنين أول من ينتبه إلى عظمة هذا الرجل. وهو انتباه ليس انبهارا بهذا الشيخ المعروف بمراكش من ضمن سبعة رجال، ولكن تأسيسا على النظر العميق في التراث اللامادي للمغاربة. غير أنه من العيب أن نجد كتب الوهابية تنتشر في المغرب وتغزو البيوت بينما لا يكاد قراء العربية يعرفون من هو السبتي العالم الجليل. ودور الوزارة ليس في طبع بعض مؤلفاته التي يستفيد منها الباحثون والمهتمون، ولكن تنظيم الندوات التي تعرف بأفكار هذا العالم المغربي الكبير وطبع كتاباته بطريقة سهلة في متناول العامة وليس الخاصة. السبتي أعظم من ابن تيمية بكثير لكن أطبقت شهرة الثاني الآفاق بفعل ما يلقاه من دعم دول نفطية بينما الأول لا يكاد يعرفه عامة الناس إلا عند زيارة قبور سبعة رجال.