موحى الأطلسي
حقق الزميل نورالدين مفتاح سبقا صحفيا هاما ومنقطع النظير، وذلك بنشره لشريط فيديو خاص بحفل ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمس الجمعة بقصر الضيافة بالرباط، للتوقيع على اتفاقية بين المملكة المغربية والمجموعة الفرنسية بي إس إي بوجو- سيتروين، تتعلق بإحداث مركب صناعي تابع للمجموعة بالمنطقة الحرة "أتلانتيك فري زون" بجهة الغرب- الشراردة- بني احسن.
ويظهر الشريط خادمين من الحرس الملكي يقدمان لجلالة الملك التمر والحليب، تبعا للطقوس المحروسة للدولة العلوية منذ زمان، حيث يعرض التمر والحليب ترحيبا وحبورا بقدوم عاهل البلاد في زيارة خاصة لمدينة أو قرية حتى أصبحت الآن عادة في جميع التدشينات الكبرى..
وقال نور الدين مفتاح، رئيس فيدرالية الناشرين، إنه خطأ فادح وكارثي وقع فيه البرتوكول الملكي بتقديم التمر والحليب في واضحة رمضان، وهو ما يكشف جهل وأمية السيد نور الدين مفتاح بالطقوس المخزنية الشريفة وقلة فهمه وتخلفه في تمييز الأمور..
فتقديم التمر والحليب ليس بقصد الأكل والشرب كما يخيل للسيد مفتاح، وإنما للترحيب بمقدم جلالة الملك فقط، خصوصا وأن الحفل أقيم بدار الضيافة، وتقديم التمر والحليب هو من الطقوس البرتوكولية العريقة التي دأب عليها الملوك المغاربة، وترتبط بالعادات المتجدرة في الثقافة المغربية التي تعكس كرمهم وحفاوتهم البالغة في استقبال ضيوفهم وأعز الناس لديهم..
ولأن السيد نورالدين مفتاح هو رئيس فديرالية الناشرين، التي تضم معظم الباطرونا المتحكمة في الإعلام الورقي، فقد تناقلت عنه مواقع كثيرة ذلك الشريط الذي ينتقد فيه البرتوكول الملكي، وهو ما يدل على تدني مستوى التكوين لدى العديد من الصحفيين الذين لا يفرقون بين الخبر الغث والسمين ويعمدون إلى نقل كل ما يكتبه بعض الأشخاص الذين يظنون انفسهم "جهابدة" الصحافة والإعلام و ان كل ما يكتبونه هو عين العقل لا يأتيه الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم..
كان على السيد نورالدين مفتاح أن يعرف قدر تاريخه الصحفي وقدر المسؤولية التي يتولاها، لأن مثل هذه الأمور لن تزيده سوى التقليل من شأنه، فجلب الزوار على حساب البروتوكول الملكي أو شخص جلالة الملك هو عمل "هواة" وليس من شيم شخص من المفروض أن يكون نموذجا للأجيال الصحفية الحالية والمقبلة..
سلوك مفتاح هذا، يطرح بعض الأسئلة الوجيهة التي قد تخطر لبال القارئ الفطن والواعي، وتتعلق اولاها بحيثيات أو "خلفيات" الحديث عن هذا الطقس من طرف صحافي مهني ورئيس الباطرونا في مجال النشر، رغم ان طقوس تقديم التمر والحليب يعرفها الخاص والعام ولا علاقة لها بالاكل و"الزردة" كما قد يتبادر إلى ذهن الجهلة والمتخلفين؟
ثم ما معنى أن يعمد مفتاح، وهو المعروف بـ"تحاليله" التي لا تتوقف، إلى نشر شريط فيديو خاص بالنشاط الملكي دون أن يقوم بكتابة ولو سطور يشرح فيه موقفه بكل وضوح من طقس تقديم التمر والحليب "في عز شهر رمضان" كما جاء في التعليق المرفق بالشريط الذي يتبناه مفتاح مادام لم يقم بتغييره، وزاد عليه بالقول في العنوان " خطأ فادح و كارثي في البروتوكول: استقبال الملك بالحليب والتمر في عز نهار رمضان"؟
السؤال الكبير والعريض الذي يكشف إلى أي درك نزل إليه كبير الناشرين، هو أن يهتم بتقديم الحليب والتمر ويصف الطقس بـ"الخطإ الفادح والكارثي" في الوقت الذي كان عليه ان يهتم بالحدث في حد ذاته، الذي يعتبر من أكبر المشاريع الاقتصادية التي تنجز بالمغرب من طرف"بي إس إي بوجو- سيتروين"، وذلك بالنظر إلى مكانة المغرب وما يتمتع به لدى الفاعلين الاقتصاديين العالميين الذين يتهافتون على الاستثمار في المملكة في وقت تبحث فيه دول الجوار عن متنفس أمني ومخرج من الأزمات التي تعصف بها، وهي أمور نسي نور الدين مفتاح أو تناسى التطرق إليها وتحليلها لمعرفة ما يعيشه المغرب وسط هذا الدمار السائد في المنطقة، عوض الاهتمام بمسائل لا توجد في الواقع وإنما من خيال مفتاح أو من أوحى له بنشر الشريط بعنوانه المغرض.. خصوصا أنه لايخفي صداقته البالغة والقوية والطارئة مع كبار رجال الدين في العدالة والتنمية...
إنها قمة الخسة وعدم الاحترام، ففي الوقت الذي كنا ننتظر فيه من نور الدين مفتاح، رئيس الناشرين المغاربة والصحفي الكبير وأستاذ الصحافة في المعاهد، أن يعطينا تحليلا قيما لحدث اقتصادي كبير هز أركان الجارة الجزائر وجعلها في حيص بيص من أمرها، لم يجد الاستاذ من شيء سوى الخوض في مسائل تافهة وصبيانية لا طائل من ورائها سوى جلب القراء وأموال المستشهرين... بل واختصار الحدث الإقتصادي في خطأ بروتوكولي.
كنا ننتظر من نور الدين مفتاح أستاذ الأجيال أن يعطينا رأيه في ثاني أكبر مصنع لصناعة السيارات والمحركات في افريقيا بعد مصنع طنجة طبعا. كنا ننتظر منه أن يلقن الصحافيين المغاربة درسا في تغطية الأحداث الهامة التي أصبحت تمر مرور الكرام عليهم، لكن الرجل خيب آمالنا وأصبح همه المال فقط، لا يميز بين مال الإشهار ومال المحلبات ومال النقرات الإلكترونية..
على كبير الناشرين أن يعود الى رشده، ولانتمنى أن تعمى بصيرته من أجل المال، خصوصا إذا كان القصد من جني المال هو التحامل على البرتوكول والمحيط الملكي.