هي حلقات لا رابط بينها سوى انتماء كاتبها إلى منظومتين أساسيتين في حياته: الإسلام والمغرب. لذا كان الربط سهلا بين المنظومتين في العنوان، وكان امتشاق حسام هذا الحكي طيلة الشهر الفضيل أداة لإعلان الانتماء للرحابتين معا: شساعة الدين الرحيم والحنيف، وبراح المغرب المتسع لكل الاختلافات.
لماذا الإسلام المغربي في هاته اللحظة بالتحديد؟
في الحقيقة لدواعي ودوافع كثيرة، ليس أهونها تعرض الدين لهجمة بشعة من طرف من يفقه فيه القليل ومن لا يفقه فيه شيئا، ومحاولة الاستيلاء الخطيرة والمرعبة والكئيبة على الإسلام، وهو دين لا كهنوت فيه، ولا وساطة بين العبد وخالقه من طرف المهربين الدينيين الذين يحلمون بنقل أسوإ ما في الكنيسة إلى دين الإسلام لكي ينصبوا أنفسهم رجال دين أوصياء علينا جميعا يحددون لنا يوميا الحلال والحرام، وينصبون على رؤوسنا المشانق، ويستعدون علينا العوام من الناس، ويشوهون صورنا في المجامع إلى أن استحال أي حديث عن الحرية اليوم في البلد إلى تهجم على الدين وإلى رغبة في هدم الأسس المكونة للمجتمع.
أيضا هناك داع أساسي يغفله أصدقاؤنا من حملة لواء الحداثة -إن صدقا أو ادعاء في البلد- هو عامل ارتباط المغاربة في أغلبيتهم بدين الإسلام.
هذا الارتباط ليس عيبا، بل هو ميزة، وهو ليس شيئا نخجل منه ونتنكر له ونحاول أن نفسره بالتعالي على الناس من خلال اتهامهم بالجهل وما إليه مما دأب عليه بعض أصدقائنا الموسومين بالحداثة.
لا التعامل العاقل الأول يقول بالاحترام التام لثوابت الناس ومقدساتها، والتعامل الثاني الذي يفرض نفسه هو إدخال فكرة إلى عقليتنا واحدا واحدا تقول إن مسألة الدين هاته مسألة فعلا بين العبد وخالقه أي حرية فردية تمارسها أنت لكي ترتاح بها أنت، ولكي تنال ثوابها أنت دون غيرك من البشر.
ولا يحق لك والحالة هاته أن تقول إن غيرك مخطئ أو مصيب. وحده الخالق يعلم ما في الأفئدة ويحكم على ظواهر الناس وبواطنها. أما نحن فنعيش صوابنا والأخطاء مثلما نتصورها فقط لاغير.
وحين يتصور بعضنا من أهل الحداثة أن المرور إلى «شيء آخر غير محدد» في مجتمعاتنا يمر عبد هدم الدين وأركانه والتبخيس من قيمته وقيمة المقتنعين به، نقول لهم لا، هذا خطأ جسيم ارتكب في ستينيات وسبعينيات قرن ماض، وأدى إلي أوخم العواقب لعل أكثرها وضوحا ما وقع في تونس التي فرض على شعبها فرضا أن تعادي الدين، فكانت النتيجة أن ارتبط الناس أكثر بالإسلام وبتصور معين للإسلام ربما ليس هو الأصح، لكنه مثل للتوانسة حينها البديل للعنف الأمني الذي استهدف عقيدتهم.
حكاياتنا الرمضانية هي حكايات معيش يومي، من عمق المغرب، من عمق إسلامه، فيها من الفردي الشخصي لكاتب هاته الأسطر الشيء غير اليسير منذ أتيحت لي الفرصة أن أرى النور في قلب بيت مليء بالعلوم الدينية، ومنذ خطوت خطواتي الأولى في مدرسة تجويد القرآن الكريم في المدينة العتيقة بمكناس، ومنذ التقيت مع حفظ جزء لا بأس به من كتاب الله عز وجل في سن مبكرة، ومنذ أن التقيت في السن الأولى مع الدين عبر الوالد رحمه الله وقد كان إماما ومقرئ قرآن وخريجا من القرويين العامرة وما أدراك ما القرويين، وحتى المرور بين أيدي فقهاء أفاضل كانوا يبدون لنا الوجه الحسن من الإسلام، ويعيشون الحياة قهقهات وحبا لها وانفتاحا عليها ويعلمون الدين العلم اليقين، وحتى التقيت في الجامعة بأولى التصورات المختلفة عن الإسلام من طرف شباب لا أعطي لنفسي الحق اليوم في الحكم عليهم، بل أعتبرهم هم أيضا باحثين عن توفيق بين أطراف هاته المعادلة الخاصة من نوعها التي تجمعنا جميعا برافد أساسي من روافد شخصيتنا المغربية هو الدين الإسلامي، ثم أعرج على الاختلافات وقد عشتها مع عدد كبير منهم، وبحور الالتقاءات الأخرى حين ذهبت باحثا في الفلسفسة اليهودية عن رجل يسمى مايمونيد أو موسى بن ميمون التقيت فيه بالرئيس ابن رشد مجسدا تلاقحا قبل الوقت بين الدين العبراني وبين الدين الإسلامي وبين الدين المسيحي.
بعد ذلك ولأن للصحافة مكانا لا بأس به في الحكايات كلها فقد التقينا في النقاشات التي جمعتنا على امتداد خمسة عشر سنة مع الكثيرين والكثيرات من الراغبين في طرق موضوع مثل هذا والتقينا بتحريفاته كلها التي تحولت اليوم إلى إرهاب وإلى تعريض بالناس وقتل لهم فقط للاختلاف السياسوي الصغير أو الطائفي البشع، أو غير القادر على المواجهة الجبان الذي يمر إلى القتل رمزيا أو ماديا لأنه لايستطيع مغالبة الرأي الآخر بالكلمة والقول والحجة والبيان.
وطبعا لامفر من قولها وإعادة قولها: الأمر لا يتعلق بتطفل على مجال له علماؤه الكبار الذين ينبغي الإنصات إليهم فيه، لكنه فقط الرصد لجوانب شخصية التقى فيها البلد بالديانة بكاتب هاته الأسطر وبعدد آخر من مجايليه وممن يكبرونه سنا، وجعله يقتنع كل يوم أكثر أن الإسلام المغربي موجود أولا، ولابد من الحفاظ عليه وتعزيزه ثانيا، ولا بد من العراك لأجله ولأجل فرض هذا التصور استثناء يقينا عديد الشرور التي يحياها آخرون في غير هذا المكان.
لا رابط بين الحلقات إلا انتماؤها للدين وللوطن، وإيمانها أنهما معا يجتمعان بسهولة في هاته الأرض بالأمس، واليوم، وطبعا في القابل من الأيام.
المختار لغزيوي