طمأننا الرئيس الفرنسي جزاه الله بكل خير على صحة وعقل جارنا العزيز «عبد العزيز»، وقال في نهاية الزيارة المكوكية التي حملته إلى الجزائر أول أمس الإثنين بأنه وجد لدى الرئيس الجزائري «قدرات فكرية هائلة».
هولاند العجيب أضفى صفة «الحيوية» على الرئيس الجزائري المقعد والمصاب بشلل نصفي شفاه الله (!) بقوله إنه «من النادر التقاء رئيس دولة تجتمع فيه صفتي الحيوية والتبصر في نفس الوقت»! ورغم أن هولاند أصر على أن يتحدث في ندوته الصحافية بلغة التطمين بانتقاء كلمات من مثل «قدرات فكرية» و«الحيوية»، وكأنه يطمئن عائلة مريض جاءت لعيادته، إلا أنه أعلن صراحة «لست طبيبا ولم آت بصفتي طبيبا لالتقاء رئيس دولة»، مشيرا إلى أنه «يتمتع بكل قدراته».
ليس لنا دخل في زيارة ود يقوم بها رئيس دولة إلى دولة أخرى، غير أن فرنسا المسكينة في عهد هولاند عودتنا على ردود أفعال صبيانية تقوم بها بين الفينة والأخرى، كلما شعرت أن ما يقوم به المغرب من تحصين مكتسباته وتصحيح مساره التنموي والديموقراطي وانفتاحه على حلفاء جدد وتمتين علاقاته الإفريقية، هو استهداف لها ولعلاقته بها، وكأنها بذلك تحاول ترسيخ التشبيه الشهير الذي نطق به سفيرها في واشنطن عندما قال بأن المغرب مثل «العشيقة التي نجامعها…».
هكذا هي السياسة الفرنسية إزاء عدد من الدول الإفريقية خاصة التي تعتبرها مجرد مورد لتنمية ثرواتها، وحماستها إزاء بعض قضايا هذه البلدان ليست سوى ذر للرماد من أجل الحفاظ على موطئ قدم لها هناك.
توقيت الزيارة الفرنسية إلى الجزائر لم يكن فجائيا بل مقصودا حتى يفهم المغرب الرسالة ويعيها جيدا، لأنه تزامن مع نهاية الزيارة الملكية لعدد من الدول الإفريقية (السينغال، غينيا بيساو، الكوت ديفوار والغابون)، علما أنها ليست الجولة الإفريقية الأولى التي يقوم بها جلالة الملك، بل سبقتها جولات أخرى بدول إفريقية في إطار الشراكة التي تجمع هذه البلدان مع المغرب وانطلاقا من تعزيز موقعه في إفريقيا، القارة التي ينتمي إليها وينهل من نفس القيم والحضارة مع شعوبها.
وبما أنها ليست الجولة الإفريقية الأولى لجلالة الملك، فإن رد الفعل الفرنسي لم يكن أيضا هو الأول من نوعه. فهذه التي تعتبر المغرب عشيقة سبق أن عبرت عن غضبها عدة مرات بأشكال مختلفة، من خلال تحريك جمعيات ومنظمات تدور في فلك “المنفعة العامة” لكن لها حسابات أخرى من أجل التشويش على المسار الذي اختاره المغرب لنفسه إزاء عدد من القضايا.
مرة يلاحق من تعتبرهم فرنسا «مغاربة معارضين»، الزيارات الملكية إلى فرنسا ومرة أخرى تستقبل وزير الخارجية صلاح الدين مزوار بتفتيش مهين في مطارها الدولي شارل دوغول، ومرة ثالثة تلاحق مدير الديستي بمذكرة اعتقال بشبهة التعذيب ملوحة بملف خالي من كل إثبات لادعاءات واهية، ورابعة تتحرك وزيرة العدل الفرنسية المفترض فيها الحياد هذه لتسخر من المغاربة بقولها أنهم لا يستطيعون حتى تجسيد محمد السادس في كاريكاتير.
في كل مرة كانت الرئاسة الفرنسية تحرك أذنابها للنيل من المغرب ومن سمعته لأنه بدأ يضايقها في إفريقيا كما في عدد من القضايا والملفات التي حاز بشأنها ثقة دولية، حتى قال في حقه الكاتب الصحافي «سلفان لانفير» بأنه حاز على «كفاءة دولية» جعلته ينافس فرنسا نفسها وهو الشيء الذي يضايقها اليوم.
الصحافي الفرنسي الذين نشر مقالا في الموقع الإلكتروني الشهير «mediapart» سخر أيضا من دولته التي تتعامل بمكيالين مع صديقها التاريخي المغرب، فتغاضت بعض منظماتها المشبوهة عن عدة قضايا تهم مجال حقوق الإنسان في العديد من الدول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها تفرغت كليا للنيل من المغرب من أجل تقزيمه في نظر العالم، ولكي تظل هي الوصية كما فعلت باستمرار مع الدول الإفريقية خاصة في الدول التي قامت فيها بتدخلات عسكرية كمالي وليبيا ورواندا دون أن تحقق لشعوب هذه الدول أي مكتسب ديموقراطي أو تنموي.
بدون مساحيق هذا هو الوجه الحقيقي لفرنسا صديقة المغرب التاريخية، وجه بشع بدون عدسات زرقاء تزين عينيها وبودرة تورد خديها وأحمر يجعلك تستلذ شفتيها. بدون هذه المساحيق لا تصلحين حتى للرصيف.
محمد أبويهدة.