عندما أعلن المكتب المركزي للأبحاث القضائية اعتقال متطرف بحوزته مواد غذائية منتهية الصلاحية يستعد لتزوير تاريخها قصد بيعها من جديد في استقبال رمضان، أصبحنا أمام حالة غش يمارسها كثيرون لكنها هنا مختلفة تماما. فالذين يبيعون المواد المنتهية الصلاحية، هم عناصر من غير ضمير تدمر صحة المواطن، وتخرب اقتصاد الوطن، لكن تعاطي المتطرفين لهذا النوع من الغش له دلالات أخرى. بالإضافة إلى محاولات الاغتناء الفاحش، التي يطمح إليها منعدمو الضمير، فإن الإرهابيين لهم مبرراتهم، ولهم أهدافهم الخطيرة. من الأسرار التي تم الكشف عنها في الجهاد الأفغاني، هو أن جماعات المجاهدين التي كانت سبعا في الظاهر والعشرات في الباطن، اعتمدت على تجارة الأفيون في محاربة الشيوعية التي اعتبرت الدين أفيون الشعوب، وكل المجاهدين لجؤوا إلى هذه التجارة للاغتناء ولتمويل حركاتهم بالسلاح. لقد صدّر المجاهدون هذا السم القاتل إلى العديد من الشعوب، بحجة أنها شعوب كافرة وبالتالي يجوز تدميرها، والقضاء على أبنائها، لأن الفقه الوهابي يجيز مثل هذه السلوكات والممارسات ويعتبرها مباحة، وبفضل هذه الفتاوى استباح دماء الناس الذين يخالفونه، من المسلمين وغيرهم من الناس، وهم مارسوا الفتك بكل الطرق. وعندما شرعوا في تصدير الأفيون، وهو واحد من أخطر أنواع المخدرات، كانوا يقنعون أتباعهم بأن بيع السموم إلى العدو، وهم يعتبرون المخالف عدوا حتى لو لم يحاربهم، حلال. وهكذا هم الجهاديون في المغرب يعتبرون المغاربة مرتدين، وبالتالي يستحلون أموالهم ودماءهم، ولهذا يقومون بعمليات الفيء، حيث يسطون على بعض المؤسسات أو المتاجر ويعترضون سبيل المواطنين ويسلبونهم حاجياتهم تحت عنوان شرعي. واليوم فطنوا إلى حيلة الغش في المواد الغذائية. ما الفرق بينهم وبين الآخرين في الغش؟ الغشاشون منعدمو ضمير يسعون للاغتناء على حساب صحة المواطن. بينما الإرهابيون يريدون الاغتناء بغير وجه حق، بالإضافة إلى قناعتهم بجواز تسميم الناس باعتبارهم مرتدين وكفارا وخارجين عن الملة، ثم إن عائدات هذا الغش يتم من خلالها تمويل إرسال متطوعين إلى سوريا والعراق، ويمكن غدا أن تصبح هذه العائدات عنصرا في تمويل المشاريع الإرهابية داخل المجتمع. المسألة إذن لم تعد سهلة، لقد انتقل الإرهابيون إلى حرب جديدة عمادها زرع السموم داخل المجتمع، وعن طريق عائداتها تمويل المشاريع الإرهابية. لقد كشف التحقيق مع المتطرف الذي اعتقل بفاس أنه مول رحلة إرهابية إلى سوريا قصد الانضمام للجماعات التكفيرية، وقد تظهر الأيام عمليات أخرى، ونحمد الله على وجود عيون ساهرة على أمن الوطن تجتمع اليوم تحت عنوان المكتب المركزي للأبحاث القضائية، والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، ولولا هذه الضربات الاستباقية لكنا في عداد البلدان التي ينهشها الإرهاب، لكنهم يريدون قتلنا بأية طريقة وطريقهم اليوم نحو بيع السموم. دخول السلفية الجهادية مرحلة الحرب عبر السموم يؤذن بمعركة جديدة لكننا نعتقد جازمين أنه سينتصر فيها الوطن بفضل رجاله الذين لا ينامون من أجل أن ننام في هدوء.