• ما معنى أن تقدم القناة الأولى ووسائل إعلام أخرى أسماء المثلِيَيْن الذين تم إلقاء القبض عليهما في الرباط؟ ما معنى أن نجعل حياتهما وحياة أهلهما عرضة للخطر في فترة تكثر فيها المزايدات الأخلاقوية؟ ما معنى الشعارات التي تم ترديدها في «المظاهرة»، من قبيل: «هذا عار، هذا عار، الإسلام في خطر». هل نعتبر فعلا بأن مثلييْن جنسيين، مهما كان موقفنا من المثلية، يهددان الإسلام؟ أعتقد أن من صمموا ومن رددوا هذا الشعار يهينون الإسلام أكثر مما يهينه مثلي جنسي.
لماذا نجعل الأسرة تدفع الثمن، بحيث تعرضها المظاهرة الفضائحية ونشر الأسماء والصور إلى التهميش والمعاملة السيئة بسبب أمر ربما تعترض عليه هي نفسها؟ بعض المواقع فاجأتنا بعناوين تبعث على الغثيان، بل أن بعضها ينتمي إلى مؤسسات إعلامية عريقة ومهنية. لكن الركض خلف «الكْليك» ومن أجل رفع عدد زوار المواقع يبيح كل الشيء. لا أحد منا مجبر على الدفاع عن المثليين وأعضاء «فيمين» ولا على تبني القضية التي يدافعون عنها، لكن الشخص الذي نختلف معه يستحق بدوره محاكمة عادلة، وليس هذا الكم من التشهير والتحريض على العنف ووضع حياته وحياة أسرته في خطر.
• ما زالت الضجة حول موازين وسهرة جينيفر لوبيز مستمرة. هناك أيضا دعوى قضائية رُفِعت ضدها بسبب الرقص الفاضح. يبدو أننا لا نخاف من العبث. أحاول جديا أن أفهم كيف تطورت الفكرة في ذهن الشخص أو الأشخاص الذين قرروا المتابعة القضائية؛ وهل يأخذون الأمر بجدية؟ رئيس حكومتنا يراسل «الهاكا» في موضوع البث على القناة الثانية.
سننتظر رد المؤسسة الدستورية بخصوص المراسلة. بانتظار ذلك، أحاول تأمل الأرقام: السهرة التي تم بثها خارج وقت الذروة، على الساعة الحادية عشر والنصف ليلا، سجلت نسبة مشاهدة قدرها مليون و200 ألف مشاهد، مع 160 ألف شخص حضروا للسهرة في الرباط. انتهى الكلام. للإشارة، فموازين، في دورته الأخيرة، حقق نسبة متابعة تقدر بمليونين و650 ألف شخص. لنتذكر فقط أنه، سنة 2011، حصل حزب العدالة والتنمية على مليون و200 ألف صوت. نفس عدد متابعي لوبيز على دوزيم وأقل من نصف متابعي موازين 2015 مباشرة. لذلك فأعتقد أنه، ورغم كل المزايدات، ليس هناك اليوم شخص أو تيار يمكنه أن يتحدث باسم كل المغاربة. بين المغاربة من تستهويه سهرة جينيفر لوبيز في الرباط أو على القناة الثانية، وبينهم من تستهويه سهرة ماجدة الرومي أو سهرات الشعبي (270 ألف متفرج للأخيرة). فيهم من يفضل سهرات الأمداح النبوية وفيهم من لا يحب الموسيقى أساسا… لكن، أرجوكم، كفى من ممارسة الوصاية علينا. دعونا نختار سينمانا وموسيقانا وبرامجنا.
• إلى غاية كتابة هذه السطور، بلغ عدد الأطفال الذين غرقوا في شاطئ الصخيرات 11 طفلا. بداية، كل التعازي لأهالي الأطفال الضحايا. ما أبشع أن يبعث الأهل طفلهم في رحلة، لكي يفقدوه نهائيا. طبعا، في كل بلدان العالم، يمكن للجميع أن يتعرض لحادثة سير أو حادثة غرق أو تهدم بناية. لكن جزءا غير يسير من كوارثنا تؤسس له الفوضى. متى سيتم تأطير رحلات الأطفال بشكل جدي لكي نتفادى توالي الكوارث القاسي هذا؟ هل، مثلا، تتوفر شروط معينة في مرافقي الأطفال؟ كيف لا تتم مراقبة الشواطئ، على الأقل من طرف المتخصصين في الإنقاذ؟ لكننا هنا سنكتفي بـ «لا حول ولا قوة إلا بالله». لن نحتج. لن نتظاهر. لن نملأ المواقع الاجتماعية بالتنديدات. ليست هناك مؤخرات ولا فيمين ولا جنس. ثم، ما هو موقف السادة الخلفي وابن كيران وشباط وبنعبد الله، وكل من رأيناهم وسمعناهم في مواضيع «الزين اللي فيك» و«جينيفر لوبيز» و«موازين»؟ أووه، لن نسمع تنديدهم. فهذا طبعا لا يسيء لسمعتنا كمغاربة ولا لديننا ولا لـ «قيمنا» (نحن طبعا نختصر القيم في الجنس، وهذا موضوع آخر).
• خلال أسبوع، قرأت في الصحف على الأقل 4 حالات اغتصاب أطفال، بعضها من طرف أقارب. المجتمع المدني يتحدث عن حوالي 25 ألف قاصر يتعرضون للاعتداء الجنسي سنويا في المغرب. لكني لم أر مظاهرة ضد الاعتداءات الجنسية على الأطفال ولم أر مواطنين يحتجون أمام بيت مغتصب أطفال، ولا تنديدا بالمتحرشين ومعنفي زوجاتهم ولا حتى أمام بيوت الأشخاص المتهمين بالعنف ضد آبائهم وأمهاتهم. فهل الدفاع عن الأخلاق والانتماء للإسلام يتمان بشكل انتقائي؟
• باختصار، الرشوة، الفقر، التهميش، الاعتداءات الجنسية على الأطفال، قطاعات هيكلية كالصحة والتعليم لا نستطيع إصلاحها منذ عقود، السرقة، العنف، التحرش الجنسي، الممارسات اللامواطنة الكثيرة في الفضاءات العامة، إلخ… لا شيء من هذا يحركنا. وحدها القضايا الأخلاقية (وبانتقائية عجيبة أيضا) تحرك الشارع وتحرك السياسيين.
لا يجب أن ننسى أننا في سنة انتخابية.
سناء العاجي.