مع بداية الربيع العربي صعد نجم الإخوان المسلمين، وتولى محمد مرسي الحكم في مصر وهيمنت حركة النهضة التونسية على الحكم في تونس، ووصل بنكيران إلى رئاسة الحكومة، وتطلع أردوغان، الذي يحظى بأغلبية في تركيا منذ 2002 إلى لعب أدوار كبرى في الجغرافية السياسية للعالم العربي، وتنبأنا حينها بسقوط هذه الحكومات كل حسب سياقه الذي جاء فيه. ولم تخيب الوقائع توقعاتنا، فكانت ثورة 30 يونيو في مصر التي أطاحت بالرئيس الإخواني محمد مرسي، وتراجعت النهضة تحت ضربات المجتمع المدني، وتلمس بنكيران لحيته، بينما واصل أردوغان حماقاته ولم يقنع بـ12 سنة من رئاسة الوزراء، بل تطلع إلى أن يكون رئيسا لتركيا بصلاحيات مطلقة شبيهة بصلاحيات السلاطين العثمانيين. لما وصل مرسي إلى الحكم، وقد كان قبل الانتخابات يتقاله، حول رئاسة الجمهورية إلى فرعونية جديدة، تجسدت في الإعلان الدستوري، الذي حمل كل عناصر الدكتاتورية التي مارسها هتلر بعد وصوله إلى مستشارية ألمانيا، وجمع من خلاله كل السلط وضمها إليه متجاوزا الدستور، الذي كان يكبل يديه. ولما وصلت النهضة إلى الحكم مارست طغيانا قل نظيره وتلبست بلبوس الديمقراطية، ولم تتراجع إلا بعد أن بدأت تنكشف علاقاتها بقطر راعية الربيع العربي، وبعد السقوط المدوي لمرسي. فخنست وفق رؤية راشد الغنوشي، ونصيحته للسلفيين، الذين قال لهم احنوا الرأس حتى تتمكنوا وطبقوا مشروعكم. وفي المغرب أبان عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة، عن نزوع إقصائي خطير، ليس وسط الأحزاب المعارضة، بل حتى مع أحزاب الأغلبية وبل حتى داخل حزبه، ولم يلجم عنفوانه نحو الديكتاتورية سوى وجود مؤسسات الدولة الضامنة للحريات والحقوق، والتي تضمن التطبيق العملي للدستور من خلال القوانين التنظيمية بل ترعى هذا التطبيق. أما في تركيا التي حكم فيها الحزب الإسلامي منذ 2002 وفق الصفقة الأمريكية الغربية، فقد كانت تطلعات أردوغان أكبر من رئاسة شرفية لتركيا بعد أن حكمها فعليا 12 سنة، فقد أراد أن يكون إمبراطورا ليس في تركيا فقط ولكن أن يحكم المنطقة، فورط بلده في علاقات مع الجماعات الإرهابية، ويواجه اليوم محاكمة دولية بلاهاي بتهمة توريد الأسلحة إلى سوريا لفائدة الإرهابيين. وسقط أردوغان في "صفر علاقات" بدل صفر مشاكل التي جاء بها داوود أوغلو، وورط بلده في التوترات الدولية، ويخاف الأتراك اليوم من انقلاب السحر على الساحر، وعودة الإرهابيين إلى تركيا لممارسة نشاطهم التدميري والتخريبي وتنفيذ مشروعهم الجهادي. ولقد يئس الأتراك من سياسات أردوغان الانتحارية، حيث جعل الأرض التركية خصوصا الحدود مع سوريا مستباحة للجماعات التكفيرية، التي تمارس السرقة والاغتصاب مع منع الأتراك من الدخول إلى هذه المناطق. وليس الشأن الخارجي وحده هو الذي أضعف وجود الحزب الإسلامي، ذي العلاقات الوثيقة مع الصهاينة، ولكن ممارساته الداخلية وقمعه للحريات هو الذي جعل جزءا من ناخبيه يتخلون عنه دون الحديث عن خصومته مع شيخه فتح الله كولن. ويشكل عدم تحقيق أردوغان لأهدافه سقوطا آخر للإخوان المسلمين لكن بالطريقة التركية.