بدأت ملامح التقارب بين العدالة والتنمية و 20 فبراير تتشكل، ويبدو أن الجفاء الذي أظهره الحزب إزاء الحركة قبل التصويت على الدستور الجديد، أصبح يتحول إلى خطب ود، بعدما فشل "كتيبة" رمز المصباح في انتزاع قوانين انتخابية على المقاس أو تأجيل موعد الانتخابات المقرر إجراؤها في 25 نونبر القادم، رغم كل التكتيك الذي اتبعته.
ولأن الحزب تلقى ضربات قاضية في هذه المعركة، التي مارس خلالها صقوره الضغط بالتشكيك في نزاهة الانتخابات أولا والتهديد بالمقاطعة ثانيا، من دون أن يجنوا من ذلك إلا انفضاح ازدواجية خطابهم، وارتباك مواقفهم، فقد اضطر العدالة والتنمية إلى تغيير استراتيجيته، وكذا تكتيكه... وهكذا كتبت "التجديد"، أن حركة 20 فبراير خرجت الأحد بالآلاف في العديد من المدن ضد الفساد مطالبة برحيل الحكومة، وحل البرلمان، واستقلال القضاء، ومقاطعة الانتخابات.
والحقيقة أن العدالة والتنمية اختلط عليها الأمر، أو تعمدت الخلط، لأن الذين خرجوا بالآلاف، إلى الشوارع ليسوا هم شباب 20 فبراير، وإنما أبناء هذا الشعب الذين اكتسحوا المدن احتفالا بانتصار المنتخب المغربي وتأهله إلى نهائيات كأس إفريقيا، والذين استمروا في الهتاف بهذا النصر إلى الساعات الأولى من الصباح، وبلغ عددهم في العدوتين (الرباط وسلا) فقط حوالي 150 ألف... وهي فرحة لا تستطيع أن تسرقها من الشعب لا العدالة والتنمية ولا حركة 20 فبراير.
ولا يحتاج المرء إلى إعمال فكر كي يستخلص أن هذه الشعارات هي ذاتها التي يرددها العدالة والتنمية بالضبط مع بعض التلوينات، وأن 20 فبراير، في هذه اللحظة، ما هي إلا ذرع واقي يختفي وراءه .
ولا شك أن الكل يعلم أن جميع المغاربة منخرطون في مسلسل محاربة الفساد، وأن الملك أحدث العديد من المؤسسات التي تندرج هذه المهمة في صلب اختصاصاتها، وأن الحكومة والبرلمان شرّعا عشرات النصوص القانونية التي تسير في اتجاه قطع دابر المفسدين، وحماية المبلغين، بعدما كانوا يفتقرون لأي ضمانة قانونية تحميهم من المتابعة.
ولا شك أيضا أن رحيل الحكومة مسألة وقت لا أقل و لا أكثر، ولعل العدالة والتنمية يعلم جيدا كما يعلم الجميع أن الحكومة سترحل بمجرد الإعلان النهائي عن نتائج الانتخابات، أي في أقل من شهرين، وأن هذا الرحيل لا معنى لها قبل هذا الاستحقاق، مادامت هذه الحكومة منبثقة من صناديق الاقتراع، وبالتالي فإن حل البرلمان لا معنى له في مثل هذا السياق.
أما استقلال القضاء فقد عززه الدستور الجديد بالمزيد من الضمانات التي تجعل منه سلطة مستقلة بالفعل، فلماذا إذن مقاطعة الانتخابات؟ هل لمجرد أن القوانين لا تساير أهواء "صقور" حزب المصباح أم لأن هؤلاء يخشون أن تعصف بهم أصوات الناخبين وصناديق الاقتراع خارج المؤسسات؟
والواضح أن حزب العدالة والتنمية، بدأ يشعر بدوائر العزلة تتعاظم حوله، بعدما فشلت خطاباته وخرجاته في نيل إعجاب الناس، وبعدما أخفق في رسم خريطة طريقة واضحة بعد أن اختار التصويت على الدستور بـ " نعم"، فأصبح يتقلب ذات اليمين وذات الشمال لكي يحصل على "مغانم" من وراء هذه التصويت، ويستعمل هذه الـ "نعم" كأداة للابتزاز، وهو "الغي" الذي يستمر فيه إلى اليوم.