تمثل الزيارة التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس إلى بعض الدول الإفريقية، والتي افتتحها بزيارة أول أمس الأربعاء للسينغال، امتدادا للزيارات المكثفة السابقة، التي أشرت على عودة المغرب بقوة إلى عمقه الإفريقي، وهو ما سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن تحدث عنه بقوله إن المغرب شجرة أغصانها في أوروبا وجذورها في إفريقيا. هذا الموقع هو الذي يخول للمغرب أن يكون رائدا في هذا المجال الجغرافي، حيث راكم العديد من الخبرات بحكم وجوده في موقع استراتيجي، فالمغرب رائد في الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخصوصا في العدالة الانتقالية، عن طريق تجربة الإنصاف والمصالحة، والمغرب رائد في البناء حيث تحول جذريا في ظرف نصف قرن، ورغم العراقيل التي وضعتها الجزائر في طريقه فإنه استطاع بناء نموذج تنموي رائد. كما أن المغرب يعتبر اليوم نموذجا في مواجهة التحديات التي يمثلها الإرهاب، واستطاع بفضل تجربته مراكمة خبرات كبيرة في هذا المجال، وهي خبرات تحتاجها دول العالم قاطبة ناهيك عن الدول الإفريقية. علاقة المغرب بإفريقيا ليست علاقة استغلال سياسي واقتصادي، ولكنها علاقات تعاون مثمر، وهذا ما أكد عليه جلالة الملك عندما قال للأفارقة لم نأت لنستغل خيراتكم ولكن جئناكم بخبرات وأنتم لديكم ثروات فتربحون أنتم ونربح نحن، وهذه قمة الوضوح والشفافية. وكان جلالة الملك قد شن هجوما على الدول الغربية، عندما خاطبهم قائلا: لقد أنهكتم هذه القارة، ولم تعد تحتمل مزيدا من الاستغلال، وبالتالي فهي ليست في حاجة إلى مساعدات ولكن في حاجة إلى نموذج تنموي، يجعلها قادرة على إنتاج الثروات من خلال استغلال عقلاني للثروات، التي تعرضت للنهب وما زالت. ولهذا تمتعض بعض الدول التقليدية من التوجه الملكي الإفريقي لأنه توجه تحرري يسعى إلى إخراج القارة من الهيمنة الاستعمارية، التي تمارسها دول الاستعمار سابقا. فالمغرب هو البلد الرائد، حقق منجزات معتبرة في ظرف زمني وجيز، ونجح في إرساء تنمية متسارعة في مختلف المجالات. وكما تكتسي زيارة جلالة الملك لإفريقيا أهمية خاصة فإنها بالنسبة للسنيغال تكتسي طابعا أخص. فالعلاقات بين المغرب والسنيغال تعود إلى أقدم العهود، وقد ترسخت بالخصوص منذ ألف سنة في عهد الدولة المرابطية التي نشأت في صحراء موريتانيا وصادت في إفريقيا الشمالية والأندلس. وامتدت هذه العلاقات وتوطدت عبر الطرق الصوفية. وينتمي السنغاليون عامة إلى إحدى الفرقتين، التجانية أو القادرية، وكلتاهما قامتا بدور أساسي في نشر الإسلام، وما زال شيوخهما يقومون بواجبهم في ترسيخ قدم الإسلام لا بهذا البلد فحسب، بل في عموم إفريقيا الغربية والوسطى. ولهاته الطرق الصوفية ارتباطات قوية بالمغرب ويعتبرون أمير المؤمنين هو إمامهم، وهنا لابد من التذكير بأن المغرب بنى مسجد داكار الكبير. ولهذا تبقى العلاقات بين المغرب والسينغال ثقافية اجتماعية سياسية واقتصادية ودينية.