أثار التعديل الحكومي الذي أجراه النظام الجزائري على حكومة عبد المالك سلال علامات استفهام وتأويلات كبيرة بشأن "الباطرون" الحقيقي لوزارة الشؤون الخارجية . هل هو رمطان لعمامرة الذي تمت ترقيته إلى وزير دولة وزير الشؤون الخارجية ؟ أم عبد القادر مساهل الذي كان وزيرا منتدبا لدى وزير الخارجية ليصبح وزيرا للشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ؟ البعض تحدث عن ترتيب هذه الوزارة التي ظلت الشغل الشاغل للرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة ،خاصة أن هذه الوزارة قادها بنفسه ، منذ ستينيات القرن العشرين ، تحت الإشراف المباشر للرئيس الراحل هواري بومدين، وظلت هي القاعدة الأساسية في أيّ حملة يخوضها النظام ضد المملكة المغربية ، من حرب الرمال في الصحراء الشرقية إلى حرب الرمال في الصحراء الغربية (المصطلح هنا جغرافي ) علما أن بوتفليقة تَرَبّع على كرسي هذه الوزارة سنوات طوال ، ولم يغادرها إلاّ بعد التغيير الذي طرأ على النظام بالجزائر بعد وفاة رئيسه بومدين . البعض الآخر رأى فيها عملية تسبق التخلص من رمطان لعمامرة على أساس أنه لم يعط ما كان مُنتظرا منه خاصة بالنسبة للنزاع المفتعل حول الصحراء ، وهو النزاع الذي يسجل فيه المغرب انتصارات متتالية . وما يؤكد هذا الطرح رأي طرف ثالث الذي يذهب إلى ملاحظة تكليف مساهل ـ غريم لعمامرة ـ بثلاث مهام في وزارة واحد ، وهي الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية . ولا شك أن إدماج الشُّعَب المغاربية والإفريقية والعربية تعطي فكرة مهمة عن التوجه الجديد للنظام الجزائري الذي يقض مضجعه كثيرا التحرك المغربي النشيط في هذه المجالات بالذات والتي لم تسجل فيها الجزائر سوى تراجعا ملحوظا خاصة أنها بذلت مجهودات ضخمة ، وخصصت لها ميزانية أضخم من أجل تحقيق شعارها بجعل "سنة 2015 سنة الحسم في قضية الصحراء " . بناء على هذا ، يصبح ملف الدبلوماسية الجزائرية بين يدي عبد القادر مساهل ـ تحت الإشراف التام للعسكر والمخابرات طبعا ـ علما أن مساهل يعتبره النظام الجزائري أكثر تشدُّداً من لعمامرة فيما يتعلق بقضية الصحراء . وبدون شك فإن الغرض من تكليفه بالشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ، هو تكثيف المزيد من الجهود في إطار واحد تلتقي فيه هذه الشؤون في حقيبة واحدة يسهل على الوزير الجديد ساهل حملها أينما حلّ وارتحل مع التركيز في جولاته وحملاته ، إنْ على الصعيد المغاربي أو الإفريقي أو العربي على ملف الصحراء . وهذا وحده يفسر إحلال مساهل محل لعمامرة في إدارة دَفَّة الدبلوماسية الجزائرية . إن الأمر أكبر من مجرد ما يُسمَّى بإعادة ترتيب الصلاحيات بين الوزيرين الغريمين ، خاصة أن النظام كشف عن أوراقه المتعلقة بقضية الصحراء في الشهور الماضية ، المُمَثَّلَة خصوصا في تحركاته على المستوى المغاربي والإفريقي والعربي قبل انعقاد اجتماعات مجلس الأمن الدولي حول موضوع الصحراء ؛ كما أن الأمر يتجاوز عملية سَحْبَ التوقيع ، من وزير إلى وزير ثانٍ ،على الاتفاقيات التي تُبرمها الجزائر مع غيرها من الدول . إن الأمر يتعلق بإعادة توحيد الجهود وتوحيد الملفات التي ينتظر النظام الجزائري الشروع في الدعاية والترويج لها في المجالات تحديدا. وهي معركته المقبلة التي يُهَيِّءُ لها ضد المغرب .هذا مع التأكيد إلى أن مهندس الدبلوماسية الجزائرية لم يكن لعمامرة ، ولن يكون ساهل أو غيره ، بل المهندس الحقيقي يقبع في المؤسسة العسكرية الحاكمة في مصير الجزائر . مجمل القول أن النظام الجزائري يراهن كثيرا في المرحلة المقبلة من الصراع الذي اختار أن يخوضه ضد المغرب على قدرة الوزير الجديد في إحداث الاختراق المطلوب في الفضاءات المذكورة التي تُشَكِّلُ بالنسبة للنظام عصب دبلوماسيته . وأيّ فشل فيها معناه فشل على كافة المستويات .
حمادي الغاري