لم يتحول المغاربة إلى أغنياء ولكن لم يعد الأكل أولوية بالنسبة إليهم، لا يعني هذا أن الفقر انتهى من المغرب بل ما يزال آفة، لكن نحن نتحدث هنا عن ترتيب الأولويات، فالمغربي اليوم يقول إن الكل يأكل ويشرب حتى ما يتوفر عليه لكن لا يموت أحد من الجوع، ولكنه يمكن أن يموت من غياب الأمن. الأولوية لدى المغربي اليوم هي الأمن. الأمن قبل كل شيء. لقد نجح المغرب في تأمين البلد من آفة الإرهاب بشكل عز نظيره، حيث يتعرض المواطن في العالم اليوم وفي العالم العربي بالخصوص لأبشع أنواع التدمير من قبل الجماعات الإرهابية، لكن تحقيق مستوى جيد في حماية الوطن من الإرهاب لا تعني أن المواطن يعيش في أمن وأمان. الأمن يتأسس على فكرة واحدة ألا وهي محاربة الجريمة العادية، ويتعامل بشكل استثنائي مع الجرائم الخاصة والطارئة، والإرهاب طارئ على المجتمع وليس أصلا في الجريمة، والقضاء على الجريمة الإرهابية أو وضعها في سياق متحكم فيه لا يعني بتاتا انتهاء عصر الجريمة، التي هي مصاحبة للوجود البشري على الأرض منذ الصراع بين هابيل وقابيل، وموضوعنا ينصب على هذا النوع من الأمن. فلماذا الجمع بين الإدارة العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في يد واحدة؟ بعض "الخبراء" يقولون إن التهديدات الإرهابية هي التي دعت إلى الجمع بين الأمن والمخابرات في يد الحموشي. وضعنا الخبراء بين معقوفتين لأنه لا توجد خبرة فيما قالوا بل مجرد جمع كلمات وتكوين جمل إنشائية، ويتم تقديم هؤلاء الخبراء على أنهم متخصصون في الشؤون الأمنية والاستراتيجية. هل التهديد الإرهابي جديد على المغرب؟ طبعا لا. التهديد الإرهابي الموجه للمغرب ليس جديدا بل يمتد إلى حوالي 15 سنة، فلو كان التهديد الإرهابي هو الدافع لهذا الجمع لتم بالأمس قبل اليوم. وقد يستشكل علينا البعض بالقول إن الإرهاب اليوم أقوى منه بالأمس. نحن أول من أشار إلى ذلك ونشرنا دراسة طويلة حول الجيل الرابع من الجهاديين المغاربة، وبالتالي لن يفوت هذا الموضوع. نحن نقول إن التهديد الإرهابي للمغرب رغم اندفاعته القوية اليوم فهو ليس بالخطورة التي كان عليها بالأمس، ليس لأنه ضعيف بل بالعكس فهو قوي ومتقوٍّ، ولكن لأن الأجهزة الأمنية راكمت خبرات طويلة في مكافحة الإرهاب، جعلته محط أنظار العالم ونال أوسمة على هذه المجهودات التي يقوم بها في مواجهة التطرف. هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن بيان تعيين الحموشي مديرا عاما للأمن الوطني والإبقاء عليه مديرا للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تحدث عن فترة مؤقتة، بما يعني أن الهدف ليس هو محاربة الإرهاب، وقد أبانت الديستي عن مهارة كبيرة في هذا المجال، وإذا كان الجهاز نجح في مهامه فما الداعي لدمجه؟ تحميل الحموشي مسؤولية الأمن الوطني يهدف إلى إعادة تأهيل الجهاز وعصرنته كي يقوم بواجبه في حماية أمن المواطن.