لا يوجد زمن واحد في المغرب.
في المغرب قرون متجاورة، وعصور مختلفة، وبلدان بعيدة عن بعضها البعض.
ونظنه المغرب لكن ليس هو. عصر لا يرى العصر الآخر، ومغرب لا يرى المغرب، ويعتقد أنه يراه.
وقد تتجول أيها المغربي في القرن السادس ميلادي، وقد تدخل القرن الواحد والعشرين، وتخرج منه إلى العصور الوسطى، وأنت في مكانك، وأنت في الآن هنا.
ولكي تفعل ذلك فأنت محتاج إلى المال وإلى الشجاعة وإلى القدرة على الاندماج وتجنب الصدمة والأخطار المحدقة بك وأنت تنتقل من قرن إلى آخر ومن بلد إلى آخر في المغرب.
نحن بلدان كثيرة وعصور مختلفة، بعضها سحيق، وبعضها يعيش الحاضر، وبعضها مستقبلي.
وهناك من يعيش في فرنسا، وفي إم6، ويخرج من البيت، ليشتري الخبز والبطاطا، ليعود إلى فرنسا في شقته، حيث أهله وحضارته وثقافته وإعلاناته التي لا تخاطبه.
وهناك من يعيش في دبي والدوحة، لاجئا في روتانا، وفي العبايات، وفي المولات، وفي برج العرب، وفي الجزيرة، ويحفظ اللهجة، ويحفظ الأغاني، وأعرف أشخاصا يتابعون جديد المسلسلات الخليجية ويفهمونها، ويجدون فيها ذواتهم ومشاكلهم وقصصا تشبههم وحبا يشبه حبهم.
وهناك من يعيش في مصر، وصار من كثرة عيشه فيها وتأثره ببرامجها، يحب السيسي ويكره الإخوان.
وهناك من يعيش مع أبي لهب وقريش وينظر إلينا حينما نلتقي نظرات شزراء بأعين تقدح شررا.
وبحكم التعود صرنا لا ننتبه إلى ذلك، وعندما يأتي أجنبي، يرى هذه العصور كلها وهذه البلدان المختلفة مجتمعة فينا ويندهش.
في المدينة الواحدة يمكنك أن تنتقل من قريش إلى القرن الواحد والعشرين، مثل متحف، كل شيء موجود، وكل الأزمنة حاضرة، ولا يسأل أحد لماذا.
والمثير أنه لا تعايش بيننا، وبين القرون والأزمنة التي نحيا فيها، وكل عصر يجمع شعبه، بمعزل عن الشعوب الأخرى، ويغلق على نفسه أبوابه، ولا ينظر إلى الخارج.
هناك خطر في الخارج وحظر تجول وحدود وشرطة غير مرئية تفصل بين القرون والثقافات والطبقات.
وهناك حكومات كثيرة ومراكز ثقافية وحدائق وحانات ومساجد ومحلات تجارة لكل قرن من القرون.
وإذا كنت تملك سيارة، فإنه يمكنك أن تمر على هذه العصور والأزمنة الموجودة في المغرب، وتكتشف كل شيء، شرط أن تغادرها دون أن تتوقف كثيرا، ودون أن تتساءل.
ووارد جدا أن يقبض عليك في قرن من القرون المغربية، لأنك لا تملك فيزا، وقد ترحل إلى قرنك، وأنت في المغرب وفي الآن وهنا.
تظهر هذه القرون والثقافات والعصور في الصحافة وفي النقاشات السياسية، إذ يحدث أن لا يفهم المغاربة ماذا يريد أي قرن من القرن الآخر، وتظهر في القوانين التي لا تناسب كل هذه القرون المتجاورة، وفي المواضيع التي تتطرق إليها الجرائد وفي الغناء والمسلسلات والأخبار في التلفزيون.
كل منا يعيش في عصره، وهو في مكانه، يعيش في زمنه الخاص، وفي بلده الافتراضي.
الشيخ سار، وعادل الميلودي، ونبيل عيوش، والداودية، ومجلة تيل كيل، وأبو النعيم، وزينون، وسعد لمجرد، ودنيا باطما، وهوبا هوبا، والصحافة المكتوبة العربية، وبنكيران، وبار مليكة، وستورك، وكازابلانكا، وأنفا، والسالمية.
أما القانون فهو ليس سار على كل القرون، وهناك عصور تجاوزته، وهناك أزواج يعيشون مع بعضهم البعض دون عقد زواج، وهناك خيانات لا أحد يراها، وهناك إجهاض كثير، وهناك لغة رسمية للمغاربة هي الفرنسية، بينما القوانين تخاطب شعبا واحدا وزمنا واحدا، في حين تعيش القرون الأخرى في الخارج وفق قوانين الخارج، داخل المغرب.
لكن من هو المغربي.
من يعرفه.
من يستطيع تعريف المغاربة. لست أنا. من يملك القدرة أن يقول من نحن. من هذا المغفل الذي يعتقد أنه يمثلهم. من يدافع عنهم. من هو المغربي حقيقة. من يصدق المغاربة. من يثق في نواياهم. من هذا المدعي الذي يعرف طباعهم. من يقبض عليهم. من يفهمهم. من يزعم أنهم محافظون. من يزعم أنهم منفتحون.
المغاربة يخرجون عن بكرة أبيهم ليصطفوا في طابور طويل من أجل الذهاب إلى آراب إيدول
المغاربة في طابور طويل من أجل الذهاب إلى داعش
المغاربة يملأون البارات
المغاربة يملأون الجوامع
المغاربة في كل مكان
المغاربة منشرحون
المغاربة غاضبون
المغاربة بلحي
المغاربة حليقون
المغاربة حداثيون
المغاربة محافظون
المغاربة استثناء حقا
المغاربة غريبون
المغاربة لا يمكن الثقة فيهم
المغاربة تارة يعتقدون أنهم الأذكى بين الجميع
وطورا يعترفون أنهم الأغبى
المغاربة تارة يقول إنهم يعيشون في أجمل بلد في العالم
وطوارا يقولون إنه الأسوأ
المغاربة يهربون من المغرب
المغاربة يحنون إلى المغرب
المغاربة لا يستقرون على قرار
مغاربة ونفتخر
حنا مغاربة حنا مغاربة
المغاربة شعوب كثيرة وقرون وعصور وأزمنة تعيش في هذه الأرض
وتلتقي صدفة مع بعضها البعض
تلتقي في الشارع
في الصحافة
في الجرائم
وفي حوادث السير
وتنظر إلى بعضها البعض باستغراب
ولا أحد يفهم الآخر
ولا أحد يعيش مع الآخر
وتصطدم القرون
وتصطدم البلدان
وتصطدم الحضارات
وتصطدم اللغات
ويهرق المرق
على فولتير
على لحية قريش
على المدرسة الأمريكية
على برج بابل
وتفرقنا المصالح والعصور والأزمنة
وتجمعنا أغنية
حك لي لي نيفي
باعتبارها المشترك بيننا جميعا
ولا مغربي احتج عليها
ولا أحد رأى فيها أنها لا تمثله
الصغار
والكبار
الفرنكفون
والعروبيون
كل شعوب المغرب
وكل قرونه المتجاورة
تردد بصوت واحد
حك لي لي نيفي.
حميد زيد كود ..