الأمر واضح: إجبار الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي على مغادرة الحكومة، ليس مجرد إقالة عادية تغلفت بلباس تقديم استقالتهما، إنه تعبير عن موقف رمزي قوي من الدولة المغربية ورئيسها، ففي مغرب المساواة وتكريم المرأة، لا مجال للردة أو النكوص، الأفق الديمقراطي الحداثي اختيار لا رجعة فيه، ومن لا يساير هذا الرهان، عليه أن يغادر قمرة القيادة.
سبق لي أن كتبت أن مشروع زواج الوزيرين «فضيحة معنوية»، وقد كان الأمر كذلك بالفعل، وكان لمشروع هذا الزواج صدى سلبي هز صورة المغرب في الصحف الدولية المرموقة، لقد بدا الأمر كما لو أنه انقلاب على المكتسبات الرمزية، فمن مدونة الأسرة التي يتم تسويقها على أنها عنوان مغرب آخر يقطع مع مرحلة الحريم وامتهان كرامة المرأة، سقطنا إلى درك أسفل، لما صار معدل تعدد الزوجات في الحكومة يفوق المعدل المسجل لدى عامة الناس في المجتمع.
لقد انتهت مساحة الحياة الخاصة للوزيرين في اللحظة التي غدا فيها احتقار المرأة يصدر عن رموز الدولة، ومنذ أن قبلت وزيرة أن تكون زوجة ثانية، وأباح وزير لنفسه بأن يسوق زوجته لأن تخطب له ألمها، ففي هذه دخل الوزيران إلى حقل حسابات المجال العمومي الذي له تحفظاته.
وبإجبارهما على تقديم استقالتهما والانسحاب من مشهد رموز الدولة، يكون المغرب قد انتصر من جديد لتأويله الحداثي لمدونة الأسرة، لقد كانت المدونة في حد ذاتها انتصارا من الملك الحديث العهد بالعرش للحداثة، وها هو يؤكد بعد خمسة عشر سنة قضاها في الحكم، على أنه مازال على النهج نفسه: حين يتعلق الأمر بالمرأة لاتساهل ولامساومات مع النزعة المحافظة في تجلياتها الأكثر رجعية.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، لابد لحديثنا عن الحداثة أن يلفت الانتباه إلى هذه الممارسة الدستورية الشكلية في ظاهرها لكنها معبرة في مضمونها. حين يتعلق الأمر بإعفاء الوزراء من مهامهم، دأب محمد السادس على ممارسة تستلهم روح النظام البرلماني، يجب أن نلاحظ أنها المرة الثانية التي يتفادى فيها رئيس الدولة ممارسة صلاحياته بمقتضى الفصل 47 من الدستور، فاسحا أمام الوزراء مجال المبادرة لتفعيل ممارسة دستورية لم تكن تسمح بها «التقاليد المرعية للمخزن».
من محمد أوزين إلى الحبيب الشوباني وسمية بنخلدون، تقاعس رئيس الحكومة في الأخذ بزمام المبادرة وممارسة صلاحياته الدستورية المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من الفصل 47 التي تنص على أنه «لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة»، لكن وبدلا من أن يطبق الملك، وهو يهم إلى سد الفراغ، مقتضيات الفقرة الثالثة التي تنص على أنه «للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم»، يختار أسلوبا أكثر ديمقراطية في ممارسته الشكلية، في انتظار أن يتشبع السياسيون بممارسة مضمونه فعليا.
في البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، نقرأ أن الملك وافق على طلب إعفاء وزيرين، تقدما باستقالتهما الفردية من الحكومة، إنه الخيار الدستوري الذي يتوجه إلى الفقرة الخامسة من الفصل 47 الذي ينص على أنه «لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية»، ومن الواضح أن هناك فرق بين هذه الفقرة وبين الأخرى التي تعطي المبادرة للملك، إنه الفرق بن نظام رئاسي وبين آخر يريد أن يكون برلمانيا.
لنقلها باختصار شديد، لقد كانت حكاية الوزيرين الشوباني وبنخلدون قصة ضعف إنساني يتربص بكل البشر، لكنها كانت أيضا رسائل حداثة دستورية في تدبير الأخطاء السياسية الجسيمة التي قد يقترفها الوزراء وهم في موقع رموز الدولة.
يونس دافقير