|
|
|
|
|
أضيف في 14 ماي 2015 الساعة 33 : 09
عن القدس العربي.
كثير منا يعرف عن المغرب جمالَه وخضرتَه وأنهارَه وشواطِئَه الممتدة، المطلة على البحر الأبيض المتوسط شمالا، والمحيط الأطلسي غربا. وعن صحرائه الجنوبية التي لا تشبه حرارتُها لهيبَ حرارة الربع الخالي صيفا؟
ولكن كم منا يعرف عن المغرب تاريخَه القديم والحديث الذي لا تزال كل مدينة فيه شاهدة عليهما معا، تُسوِّر كلُّ مدينة فيه شواهدَها القديمة لتحفظها من الاندثار، وتقيم صروحها الحديثة بجوارها في مؤاخاة قلما نجدها في المدن العربية المهرولة نحو حداثة لا تلوي على شيء؟
يغبن العربي نفسه بتصورات مسبقة عن بلد جميل لحساب وَهْمٍ يجعل منه موضع شبهة لمجرد التصريح بزيارته له أو الحديث عن نيته بذلك؛ وكأن ليس من وراء زيارة المغرب إلا هدف وحيد (غالبا) سرعان ما يقفز في الأذهان الموهومة بتصوراتها البعيدة عن الموضوعية والإنصاف، ويبقى يغمز ويلمز كل رائح وغادي من المغرب وإليه.
ولعلنا بمحاولة بسيطة للنبش في مصدر تلك الصورة، وعن أسبابها التي شوّهت واحدا من أجمل بلاد العرب وأعرقها تاريخا وثقافة وحضارة، نصل إلى ما يجعل المرء يضرب صفحا عن كل تلك المقومات السياحية والتاريخية والحضارية ليستحضر تلك الصورة دون سواها.
إنها ليست سوى تلك النماذج (غير الممثلة) التي تفد إلى البلدان العربية ومنطقة الخليج العربي- خصوصا تحت دوافع ليس أولها الحاجة وليس آخرها (في المقابل) الجيوب المنتفخة التي لا همّ لأصحابها إلا إشباع الغرائز؟ أو تلك النماذج (الرجالية) التي تذهب إلى المغرب للغايات الوحيدة، فتعود مروّجة لتلك الصورة ومكرّسة لها ببعد وحيد، رغم أن المطلب الذي تكبدت مشقة السفر من أجله متوفر بسخاء في كل مكان، حتى من دون أن تكلف نفسها عناء تجاوز الحدود! ومهما يكن من أمر، فقد حدث أن تآزر الذاهب مع صورة الآتي ليرسما معا صورةً تعميمية عن بلد تنطبق على غيره من البلدان، طالما توفر المطلوب الذي متى ما سعى إليه الطالب وجده بالضرورة، غير أن الحظ لم يكن في صف المغرب عندما عانق بلدانا أخرى لم يشملها إطار الصورة!
وعلى الجانب الآخر، كثرت نعوتٌ تصف المرأة المغربية بالسحر الذي يتعلق به الرجال فلا يرومون منه فكاكا، حتى صارت النساء يحاذرن من إصابة أزواجهن بالسحر المغربي الذي سيأخذ منهن رجالهن، في صورة موغلة في الرجعية التي لا تزال تؤمن بقدرات خارقة يأباها المنطق وتصدقها عقولهن العاجزة، ويبرهنّ عليها بسَوق الحكايات عن فلانة التي تزوّج زوجها عليها من مغربية جعلته لا يرى سواها، أو تلك التي عجزت حيلتها عن ثني زوجها عن زيارة المغرب فراحت توصي الأقربين منه بمراقبته!
صور من هذا القبيل لا تكرّس في الحقيقة إلا أحد أمرين، بالتوازي مع الصورة الشائهة، وهما: سذاجة الرجل الذي يتبع سحرا يعرف يقينا أنه غير موجود، وعجز المرأة وهي تداري عقدة نقصها بقذف التهم جزافا و(مبالغة) على غيرها، في محاولة منها للحفاظ على البقية الباقية من زوجها المسحور.
إن صورة نمطية كهذه لا تشكل مشكلة لمن أُخذت عنها، بل هي مشكلة في ذهن راسمها وحسب، ودليلُهُ أن المرأة المغربية ليست معنية بهذه الصورة المرسومة عنها، وليست مهتمة بما يقوله الواهمون في ظهرها وعلى مسمعها، وليس اللهاث خلف تعديلها من قائمة أولوياتها، بل تراها تعيش حياتها بكل الألوان الممكنة للحياة. تعيشها بعمق الإرث التاريخي العريق لبلدها، مستفيدةً من الانفتاح المعرفي والحضاري الذي تصحو عليه وتمسي ممارسة لا تشدّقا. تعيشها بصلابة الأجيال التي نشأت على مدرجات الجامعات المغربية التي أنتجتها سليلة لآباء وأمهات تتلمذوا على أيدي كبار المفكرين العرب من المغاربة وسواهم في وقت لم يكن لدى غيرهم مبنى مدرسة.
فالقضية ليست في رسم صورة نمطية عن بلد برمته، وإنما في تعميمها على نحو يشكل خطأ حضاريا لا يغتفر بصرفه النظر عن كل المميزات التي تجعل منه وجهةً مشرقة في أقصى غرب وطننا العربي. بلد بمجرد ما تطأه قدماك تكتشف الغبن الذي طاله وطال نساءه اللائي لا يشبهن بتاتا تلك الصورة التي ترسخت على مدى ليس بالقصير، ولن يعجزك الأمر جهدا لتعرف المرأة المغربية الحاضرة في كل وجوه الحياة بكدّها وجدّها، بثقافتها ووعيها، واستفادتها المثلى من جغرافيتها التي وضعتها في ملتقى حضارات العالم الحديث: الأوروبية شمالا، والأمريكية غربا، من دون أن تتنكر لعروبتها التي تواجه بها ما مرّت به بلدها إبان الاستعمار وبعده، الأمر الذي يجعل من المغرب أكثر تشبثا بتاريخه وتراثه خلال مسيرة انطلاقته نحو المستقبل كردة فعل لاستعادة ما طُمِس من هويته. يفعل كل ذلك بموضوعية وواقعية تَفهم السياق الخاص الذي يعيشه.
ومرة أخرى أستحضر ندوة «المستقبل وصورة العربي في رواية الآخر» التي عُقدت في الكويت في يناير الماضي، ومحاولتها النبش في صورة العربي في رواية الآخر. فإذا كانت صورة العربي في عين العربي شوهاء غير صحيحة، فكيف ننشد صورة مغايرة عند غير العربي؟ وإذا كنا نطالب الغرب بأن يحررنا من نظرته المسبقة والجاهزة إلينا، فالأجدر بنا دائما وأبدا أن نحرر أنفسنا منها؛ فتلك النظرة بقدر ما تسجننا في إسارها، تُحررنا متى ما تخلصنا منها.
ألا تستحق المرأة المغربية حريتها من هذه النظرة التي سجنتها طويلا، وجعلتها وحدها تتحمل وزر وهمٍ لا يخصها بالضرورة، وليس حكرا عليها دون سواها؟ ألا تستحق في المقابل أن يُنظر إليها بعين أخرى تبحث فيما يميزها عن غيرها فترفع عنها ظلما لا يليق بنا جميعا؟
إن ما تَقصُر عنه نظرتنا المشوِّهة هو أن المرأة المغربية تجيد تلوين حياتها تماما، فتخلق لنفسها عوالمها التي تشبه طبيعة بلدها المتنوعة في تضاريسها، وتعيش الفصول الأربعة كما ينبغي، لتشعر بها ومعها أن يومها أكثر من أربع وعشرين ساعة ملونة بالبهجة، فلا تتشابه لديها الليالي والأيام.
تتقن المرأة المغربية الاعتناء بنفسها كما تجيده في كل ما حولها، لتكون تلك المرأة المثقفة العصرية، والمربية الحريصة، والزوجة المثالية، والعاملة الجادة، التي لا تزال تجد في يومها متسعا للقراءة والكتابة، أو النزهة وحضور حفلة في المساء، أو التسوق وممارسة الرياضة، من دون أن تنسى موعدها الأسبوعي في الحمّام المغربي وصالون التجميل. تعيش حياتها بطولها وعرضها، وتجدها حاضرة بالتساوي في كل مكان يجب أن تكون فيه كما يليق بامرأة تتقن الحياة بكل ألوانها.
وفي الوقت الذي تبني فيه علاقتها الرصينة ببيتها (مملكتها الخاصة) على نحو فريد قولا وعملا، ترفض أن تشاركها فيه عاملة منزل إلا في ما ندر، وإن حدث فلساعات محدودة وبمُعِينة من جنسيتها. وهي تنفق الوقت في مطبخها ساعات تجعل للأكلات المغربية ذلك الصيت الذي لا تخطئه الذائقة العربية. ولا تكتمل أنوثتها من دون أن تجيد أدق الوصفات وأصعبها، وتستنكف من الاستعانة بمطعم يوفر لها ما تقدمه لضيوفها، فضلا عن أناقة البيت المغربي التي لا تختلف باختلاف المستويات الاقتصادية للأسر المغربية.
كل ذلك اكتسبته بحكم الثقافة الاجتماعية التي نشأت عليها، ولا تكاد تُستثنى واحدة من هذه القاعدة التي يمارسنها بحب، وإذا كان لابد من سحر يفسّر هذه الطاقة على الحياة تأخذ باللب ولا تتركه، وتجعله مشدوها أمام امرأة لا يفتّ في عضدها شيء، فأقول: نعم إنهن ساحرات!
منى بنت حبراس السليمية كاتبة وناقدة عُمانية
|
|
2241 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|