تعرف جبهة الانفصاليين "البوليساريو" رجّة كبرى في صفوفها، وعلى وجه خاص على مستوى قيادتها التي أصبحت محط انتقادات شديدة من طرف الصحراويين. وقد ازدادت حدة الاحتقان الداخلي والتوتر الحاد داخل أشغال ما يسمى بـ"الأمانة العامة للبوليساريو" التي عقدت اجتماعها بعد النكبة العظمى التي عصفت بجبهتها داخل مجلس الأمن الدولي وقراره 2218 الذي نص، بكل وضوح، على تمديد مهمة البعثة الأممية بالصحراء "المينورسو" مع استبعاد الإشارة إلى توسيع صلاحيتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية، وأيضا طلب فتح مخيمات تندوف من أجل إجراء إحصاء حقيقي للمقيمين فيها؛ وهو الأمر الذي جند له النظام الجزائري كل آلياته الدعائية والدبلوماسية، بما في ذلك شراء خدمات اللوبي المعادية للوحدة الوطنية. في هذا الإطار، يأتي اجتماع "البوليساريو" الذي تمخض عن تعيين لجنة مكونة من عشرين عضوا بغرض تهييء مؤتمر الجبهة الرابع عشر، علما بأن مسألة انعقاد هذا المؤتمر ظلت دائما حكرا على الدائرة الضيقة لقائدها عبد العزيز، حيث ظلت تماطل في الإعداد للمؤتمر خصوصا أن الدعوة إليه أصبحت قضية ضرورية بعد سلسلة الصفعات والنكسات التي تلقتها "البوليساريو" في الشهور الأخير، وتُوِّجَت بالصفعة المدوية في مجلس الأمن. المثير للانتباه أن ما يسمى بـ"لجنة العشرين" تضم من بين أعضائها العائد البشير مصطفى السيد (شقيق مؤسس الحركة الانفصالية) الذي أبعدته السلطات الجزائرية بعد تجاوزه "الخطوط الحمراء" التي رسمتها للجبهة. هذه اللجنة لم تتردد في توجيه انتقادات عنيفة للفشل الذريع الذي تلقته القيادة الفاسدة طيلة السنوات الأخيرة، وعلى وجه أخص في مجلس الأمن الدولي المذكور، والتعتيم الكبير التي تمارسه هذه القيادة على حقيقة الهزيمة المنكرة للانفصاليين التي مُنِيَت بها من طرف الدبلوماسية المغربية على الصعيد الدولي، إلى جانب التلكُؤ في اتخاذ موقف واضح من مسلسل المفاوضات. وبالرغم من كل هذا، فإن الجبهة رددت أسطوانة التنديد المهترئة ضد التأييد الفرنسي للمغرب مع تفادي التعرض بصفة مباشرة للأمريكيين مع أنهم هم الذين يشرفون على إعداد جميع مشاريع الاقتراحات حول النزاع المفتعل بالصحراء قبل تقديمها للمصادقة عليها من طرف مجلس الأمن، بما فيها المقترح الأخير 2218 الذي كان في صالح المغرب، في حين إن "البوليساريو" وجهت عبارات الغزل تجاه إسبانيا ودعتها إلى "تحمل مسؤولياتها السياسية والقانونية والأخلاقية " إزاء ما سمته بـ"الشعب الصحراوي"، باعتبار مدريد القوة الاستعمارية السابقة في المنطقة. المراقبون يرون في تشكيل "لجنة العشرين" المذكورة فرصة لإعداد مؤتمر "الجبهة" الرابع عشر ـ الذي من المنتظر أن يتم خلال شهر شتنبر أو أكتوبر القادم. وهي مناسبة من جهة لإعطاء نفس لـ"البوليساريو"، ومن جهة ثانية لاختيار قيادة "جديدة " والإعداد لما بعد فترة محمد عبد العزيز الغارق في التبعية العمياء للجزائر. لكن الشيء الذي أثار انتباه المراقبين في هذا الصدد هو الغياب المستمر لعبد العزيز بسبب المرض الخبيث الذي يعاني منه، وعدم إعلان نيته الاستمرار في قيادة الجبهة الانفصالية، خاصة بعد ارتفاع الأصوات، داخل تندوف، المطالبة برحيله، والحملة الشديدة التي تكشف أصوله الجزائرية، مما جعل هؤلاء المراقبين يقولون إن مرحلة ما بعد عبد العزيز انطلقت.
النهار المغربية.