لا يمكنك أن تكون رافضا للآخر إلا إذا كان هذا الآخر يشكل لك عقدة من نوع ما. هذا المجال النفساني في التحليل للأشياء ينطبق جيدا على روبير مينار، الصحافي سابقا، رئيس منظمة صحافيون بلاحدود أيضا سابقا، ثم العنصري حاليا العمدة لمدينة بيزيي الفرنسية بمباركة ومساعدة من الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا، لكن أيضا العنصري دائما وأبدا منذ أيامه الأولى التي أتقن خلالها إخفاء لعبته وإلى أن تقرر له أن يخرج إلى العلن بوجهه الحقيقي.
آخر كوارث مينار هي قيامه بعد وحساب الأطفال المسلمين في مدارس المدينة التي يشرف عليها. الرجل ارتكب جريرة تقسيم مواطنيه حسب ديانتهم لأغراض عنصرية لا تخفى على أحد، والكل صدم عندما علم بالنبأ وعندما استل مينار معلومات يتيح له منصبه التوفر عليها لكي يضعها في نقاش تلفزيوني حجة على تقهقر الكاثوليكية مثلما يتصور في فرنسا وتقدم، بل واجتياح الإسلام.
كلما طرحت كارثة جديدة من كوارث هذا السيد، يحلو للذاكرة أن تبعثر الأوراق وأن تتذكر له أيام حمايته لحقوق الصحافيين في العالم بأسره.
كنا هنا في المغرب نستقبله في العام عشرات المرات، وكان الصحافيون الدائرون في فلكه يقولون لنا إنه أكبر مدافع عن حرية التعبير وأن علينا أن ننصت له بإمعان وتقديس لكي نصبح صحافيين جيدين.
بعد ذلك ذهب مينار إلى قطر. استل منها مالا كثيرا بدعوى تشجيع الصحافة وحرية التعبير وما إليه من الأراجيف والأكاذيب، ثم اكتشف فجأة أن قطر ليست البلد الذي يمكنه أن ينشر فيه حرية تعبيره، فقرر العودة إلى فرنسا بحصة كبيرة من المال، وبتجربة راكمها في اللقاء بمن يرغبون في أن تمنحه المنظمة التي كان على رأسها شهادة حسن السيرة والسلوك، وبرغبة أخرى أخيرة في الكشف عن عمق انتمائه الفعلي: مجرد منغلق طاف العالم كله بحثا عن الثراء السريع لكي يعود إلى فرنسا معلنا أنها للفرنسيين وأن الأجانب من أهل اللون أو الدين المختلفين لن يكونوا أبدا فرنسيين، وإن حملوا جنسية السيدة الجمهورية.
حكاية مينار هي دائما حكاية من يرددون على مسامعكم الشعارات الكبرى.
تأملوا في السحنات جيدا، قارنوا الماضي السحيق بالحالي من الوضع، تذكروا عدد الشعارات التي يصدح بها هؤلاد الكذبة. قولوا لأنفسكم «إنهم يكذبون». تأملوهم جيدا، واعتبروهم ملحوظات لا علاقة لها بماسبق، وانتظروا أن يواصلوا الكذب عليكم، فهم لا يتوبون..
المختار لغزيوي.