المتتبع لتطور الأحداث في علاقات المغاربة مع أشقائهم الجزائريين، عليه أن يستحضر كثيرا من المحطات التي كان فيها المغرب، الساعد الأيمن للجزائر التي لم تكن دولة عبر التاريخ.
لقد كانت الجزائر جزءًا من ولاية بلاد المغرب، التي كانت مدينة القيروان قاعدة لها، ضمن الدولة الإسلامية في العهد الأموي وفي مطلع العهد العباسي، وبعد الرستميين وبني عبد الواد و الموحدين والمرابطين والمرينيين والوطاسيين والسعديين، احتلت الجزائر من طرف العثمانيين وبقيت كذلك حتى دخول الإستعمار الفرنسي الذي جاء بقناع تلقين درس للقراصنة المقلقين لراحة أوربا، ورد الإهانة التي لحقت القنصل الفرنسي في حادثة المروحة، ومعه فإن الجزائر لم تكن دولة عبر التاريخ إلا بعد الاستقلال الذي صنعته لها المقاومة المغربية وجيش التحرير.
وبالعودة إلى تفاصيل أحداث تاريخ استعمار الجزائر، فمع اشتداد بطش هذا الإستعمار ، اضطر الأمير عبد القادر بن محي الدين الذي كان يقود المقاومة الجزائرية، بعد الاستيلاء الفرنسي على أهم المراكز أن يلجأ إلى الأراضي المغربية، بعدما فتحت له الأبواب السبعة سنة 1844م، سيما وأنه كان في حاجة شديدة إلى مركز يواصل منه كفاحه ضد المستعمرين، فنزل مع حاشيته وجنوده قرب وجدة، حيث تهيأ له أن يمارس نشاطه، وينظم غارات ضد العدو كللت أغلبها بالنجاح.
وقد وجد من السكان المغاربة بالمنطقة ترحيبا كبيرا، فلم يبخلوا عنه بشيء في استطاعتهم أن يقدموه، فساعدوه بأسلحتهم وأراضيهم وأنفسهم، حين شاركوا كمتطوعين بين صفوف جنوده.
ولم يسع فرنسا أمام تحركات هذا التحول الخطير في تحركات الأمير. إلا أن توجه تهديدا للسلطان المغربي تطالبه بإخراج الأمير من الأراضي المغربية، وقد رفض السلطان هذا الطلب بإصرار، فكان رد الفرنسيين هو احتلال «لـلا مغنية» ، وتدنيس المقام الطيب لدى المغاربة، فوجه السلطان أمرا إلى عامله بوجدة أن يبلغ الفرنسيين الأمر بالارتحال، وحيث لم يجد هذا الأمر آذانا صاغية من طرف المعتدين، فقد وقع أول اصطدام بين الجيش المغربي والفرنسي، تغلب فيه الفرنسيون . مما دفعهم إلى احتلال مدينة وجدة، وشن غارات على مدينة طنجة، وقصف مدينة الصويرة.
فجهز السلطان المغربي جيشا بقيادة ابنه، والتفت الجيوش بالجيوش المستعمرة بإيسلي، في منتصف شعبان عام 1844م، حيث انهزم المغاربة، فقد كان الجيش الفرنسي منظما رغم قلة عدده، بينما كان الجيش المغربي الذي بلغ ثلاثين ألف مقاتل جيشا غير نظامي، تكون في أغلبيته بطريق (الحرارك)، حيث كان السلطان يستنفر القبائل للقتال كلما استدعى الأمر ذلك، فيتجمع جيش بلا تدريب ولا خبرة.
وقد كان لهزيمة إيسلي أثر كبير على المغرب في الخارج والداخل، فقد انكسرت شوكته وفقد مركزه القديم كدولة قوية الأسطول، شديدة البأس، مهابة الجانب، فامتنعت الدول عن أداء الضرائب التي كانت تؤديها في الماضي، واضطر المغرب إلى تنازلات في الميدان التجاري، مما أدى إلى خلق أزمة اقتصادية خانقة.
وكان من آثار هذه الهزيمة أن نشطت أطماع الدول الكبرى في المغرب، الذي بدا بعد هزيمته مضغة سائغة، وكانت بذلك الجزائر السبب المباشر لخلع حجاب الهيبة التي اكتسبها المغرب منذ انتتصاره التاريخي على الملك البرتغالي سيبستيان في معركة واد المخازن.
وبعد استقلال المغرب سنة 1956، لم تتأخر المقاومة المغربية وجيش التحرير في تقديم الدعم المطلق للمقاومة الجزائرية ومساعدتها على مواجهة المحتل الغاشم وهذا ما تأتى لها سنة 1962.
فهل سيتذكر الجزائريون أنهم سبب استعمارنا ، ونحن سبب استقلالهم؟
كريم القرقوري.