الكثيرون ينتقدون هاته الأيام مستوى الأغاني المغربية الجديدة، ويعتبرون أن التنافس على النزول بمستوى مايقدم للجمهور باسم الغناء أصبح مهددا حقيقيا للحياء العام في البلاد. هؤلاء المنتقدون يتحججون بكلمات الأغاني ويعتبرونها دالة على ترد حقيقي في الذوق الجماعي، وعلامة إفلاس كلي لسمعنا ووعينا ولذائقتنا الفنية ككل.
يغيب عن المنتقدين بشراسة للموجة الغنائية الجديدة، وهي موجة (تسونامي) جارفة حقاً، أن الشدو والغناء كانا دائما – مثل الإعلام – مجرد تمظهر لمجتمعهما. فحين يكون الوعي الجماعي راقيا ينتج غناء سامي المستوى، وعندما يكون – مثلما هو عليه اليوم – «على قد الحال»، لايمكنه أن ينتج إلا مانسمعه ونستمتع به بألم هاته الأيام.
أكثر من هذا يجب أن نعترف أن ماوصلنا إليه اليوم هو نتاج عمل طويل ساهم فيه الجميع: الجمهور العريض أولا، ثم التلفزيون ثانيا، ثم بقية وسائل الإعلام ثالثا، لذلك يبدو استغرابنا له غير ذي موضوع، ونبدو كما لو أننا نحاول من خلال الاستغراب فقط دفع تهمة المسؤولية عن كثير الرداءات التي رعيناها بقوة إلى أن طبعت معها آذاننا، وتقبلتها عقولنا وأضحت أمرا عاديا يطربنا إلى حد ما، أو على الأقل يدفعنا إلى قليل الرقص وبعض الاستمتاع.
ثم لاداعي لإخفاء رؤوسنا في الرمال: المجتمع الذي يعطل كل قضاياه الحيوية لكي يناقش سرير وزير وحمامه، هو مجتمع لايمكنه إلا أنه «يدير ليك الطيارة». والصحافة التي تترك مشاكل المواطن الحقيقية لكي تجعل من خطوبة وزيرين حدث القرن، بل والقرون المقبلة، هي صحافة لايمكن إلا أن تكون «لاعلاقة». وطبعا مع طبقة حزبية مثل المتوفرة لدينا جملة واحدة تنفع هي «عطيني صاكي» لإتمام عملية الفرار.
وحتى الشعب متأكد منها، ويقولها لنفسه دوما «مشيتي فيها» على سبيل الطمأنة الجماعية.
وحين تتوه به أكثر من الحد يقول الشيء ونقيضه ثم يسأل نفسه مثل الأحمق «كاينة ولا ماكايناش»؟ ومع قوم غير متأكدين من شيء لايسعك إلا اعتبار الأمور ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق والترديد مع السابقين «يلا خيابت دابا تزيان»، مع أنه لا أمل على ذلك في الأفق..
المختار لغزيوي.