دار نقاش في نوادي السياسيين وعلى صفحات الصحف وفي الإعلام السمعي البصري حول مذكرة المعارضة، التي رفعتها لجلالة الملك تشكو من استغلال رئيس الحكومة لاسم الملك في صراعاته السياسية، وانبرى "الخبراء"، الذين ملؤوا الدنيا ضجيجا هذه الأيام، يعتبرون أن الملك حكم بين المؤسسات وليس بين المعارضة ورئيس الحكومة. قبل أن نتحدث عن مؤسسة المعارضة ومؤسسة رئاسة الحكومة لابد من التدقيق الدستوري في مهام الملك، الذي هو بحكم الدستور رئيس للدولة ورئيس مجلس الوزراء، وهي صفات أكبر بكثير من أن تكون لمجرد حكم، بل هي صفات لحاكم له مقومات دستورية وقانونية تجعله في مقام ممارسة الحكم وليس التفرج على لاعبين سياسيين وتحديدا في النهاية الفائز من الخاسر. الدستور يجعل من الملك الضامن لاستقرار البلاد وأمنها وأمانها، فالملك حسب الفصل 42 من الدستور "رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة". فالملك حكم، فقط جزء من مهام الملك المتعددة. ومن يتمعن في الفصل المذكور يتبين له أن الملك أكبر بكثير من أن يكون حكما، بل هو حاكم فعلي. فالحكم مجرد شخص محايد يراقب أطرافا متصارعة لكن الملك شخص منخرط، باعتباره ممثلا للمؤسسة الملكية، في إدارة البلاد وفي تأسيس المشاريع المدرة للدخل. فالملك حسب الدستور هو رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي لا يمكن اعتبار رئيس الحكومة يتميز بصفة منفردة، ولكنه يقع تحت سلطة الملك، فالذي يمكن أن يعيد رئيس الحكومة للصواب هو الملك، كما يمكن أن يتعرض لرقابة البرلمان، لكن في ظل ظروف واضحة. أما للذين قالوا إن الملك حكم بين المؤسسات وليس بين المعارضة ورئيس الحكومة فهم مخطئون. أولا لأن الملك ليس حكما وإنما هذه الوظيفة جزء بسيط من مهامه المتعددة والمحددة بالدستور إلى أن يحين وقت آخر لتعديل الدستور. وثانيا لأنهم يعرفون المؤسسة بمفهومها التقليدي، في حين عرفت مفاهيم موسعة أضحى لها بعد معنوي أكثر منه مادي مجسد. يفهمون المؤسسة بلغة البناية ذات الأبواب والنوافذ التي يقف عليها شخص ما حارسا لها، وتتوفر على إدارة وغيرها. بينما المؤسسة تشمل كل فعل ينضبط بقواعد محددة. فالمعارضة ليست عملا عشوائيا، وعملها لا يشبه عمل الأغلبية، وخصها الدستور ببنود في فصوله الأولى، وهو ما يجعلها مؤسسة خاضعة لضوابط محددة وتفرض على الحكومة إصدار قوانين لصالح دعم موقع المعارضة ويمنحها الدستور لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب وغيرها. أما الحكومة فهي مؤسسة لها قواعدها وضوابطها. ووظيفة الملك ليس التحكيم بينهما ولكن رعاية القوانين والضوابط وضمان عدم انزلاق المؤسسات نحو مهاوي الفوضى.
إفتتاحية النهار المغربية