منذ أشهر لم يسحل النظام القمعي المخزني الرفيق عبد الحميد الأمين، حتى أن الطرفين اشتاقا إلى بعضهما البعض.
فمدينة الرباط مملة ولا حياة فيها دون هذا الموعد الذي تعودنا عليه، ومرتادو مقهى باليما محرومون من هذه الفرجة التي غابت لمدة.
والمارة أيضا يسألون: أين ذهب عبد الحميد أمين، وأين ذهبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وأين ذهبت القوات المساعدة وسيارات رجال الأمن وأين هم المخبرون.
حتى بائع اللوز الشهير، والذي يتحدث الفرنسية والإسبانية، صار يستفسر عن سر هذا الغياب، ويسأل عن عبد الحميد أمين، وكاحتجاج منه، لم يعد يضع لوزة أو لوزيتين على طاولات المقاهي.
وحتى نسخة شارلي شابلن، بالورود التي يحملها معه، أثاره هذا الغياب، وغاب هو الآخر، وقرر أن يغير مهنته، حارما الأطفال من التقاط الصور معه.
أما العشب المقابل للبرلمان فحزين بعد أن غاب عنه المناضلون، ولم يمشوا عليه كعادتهم، ولم يعد أحد يلتقط فيه أنفاسه بعد مطاردة بوليسية.
والحمام لم يعد يذرق، ولم يعد يزين المشهد العام.
وقد حصل أن شعر النظام القمعي المخزني الرجعي بالضجر واشتاق إلى الجمعية، وشارك في التحالف العربي بقيادة السعودية لقصف اليمن، وكل ذلك ذلك كي يعود الرفيق عبد الحميد أمين، والجمعية، إلى قواعدهم، ورقعة احتجاجاتهم ومظاهراتهم.
لاحظ المخزن غياب عبد الحميد أمين، فأرسل طائراته إلى الخليج العربي، ليخرج الرفيق ويظهر من جديد.
واتصلت قوات القمع به، وتلفنت له أجهزة الأمن، وقالت له تعال لنقمعك.
تعال لنجرجرك
تعال لنلعب لعبة القط والفأر.
خذ هذه القضية التي تصلح للتظاهر ودافع عن الشعب اليمني، وتعال.
غيبتك طالت فتعال.
وبالفعل جاء عبد الحميد أمين بالقبعة نفسها، وضرب مع النظام القمعي المخزني موعدا في المكان المعروف، والتقى الجميع، كما كان يحدث دائما، وعادت الحياة إلى الرباط، وامتلأت المقاهي بالزبائن، وعمت الفرحة العابرين، والنازلين من القطار، والشباب الذين خذلتهم صديقاتهم ولم يحضرن في الموعد وعوضوا لسعة الحب بهذه الفرجة وهذا اللقاء.
وبعد التحية والشعارات والسلام على دوريات الأمن، وبعد القبل والسؤال عن طول الغياب والأهل والعمل، وبعد التأكد من وجود كل الأجهزة وكل المناضلين، بدأ القمع والرفس والبطش، ووضع عبد الحميد أمين ياقته رهن إشارة المخزن، وجره المخزن منها، ثم احتج عليهم، فأسقطوا قبعته، وانتفضت الرفيقات، وصرخن، وسقطن أرضا، واجتمع الناس، وتشكلت حلقية للنقاش، والنظام القمعي يضرب ويبطش، ويسقط المناضلون، وينقلون إلى المستعجلات في حالات خطيرة، بينما الشعب اليمني الحر والأبي لا يعلم بكل هذا، ولا يعلم أن مجزرة وقعت في الرباط تضامنا معه، والحوثيون غائبون عن الوعي، في انتظار التدخل الإيراني وتدخل روسيا وحزب الله، ولا يدرون أن الدعم قد وصل من الرباط، انطلاقا من مقهى باليما.
ربما لا يفهم المتضامنون مع الجمعية والرفيق عبد الحميد أمين والهايج ضدا على تدخل النظام القمعي المخزني الشرس أن الطرفين يحتاجان إلى بعضهما البعض، وأن خلف العداوة الظاهرة تكمن محبة وعشق، وأن علاقة سادو مازو تجمع بينهما، والدليل هو شوق الضحية إلى جلاده، وشوق الجلاد إلى ضحيته، وجو الملل والسكون الذي يخيم على الرباط في ظل غيابهما.
كما أن لا أحد يسأل ما الذي سيفعله عبد الحميد أمين إذا لم يقمعه المخزن، وما دور الجمعية إن لم تحتج ولم ينقل مناضلوها إلى المستعجلات، وماذا سيفعلون ببقبعاتهم وكوفياتهم وأحذيتهم الرياضية، إن لم يعتد عليهم النظام الرجعي.
وأي شغل ستقوم به أجهزة الأمن لو طال غياب الجمعية، وقد يتكرش عناصرها ويترهلون لغياب العمل ولغياب الركض خلف المناضلين.
وما يبدو للبعض ترف نضال، وأمرا مضحكا أن يدافع الرفاق على الشعب اليمني، ومن يقول إن هذه الفكرة الاحتجاجية لم تخطر على بال حتى السويديين أو السويسريين المحرومين من المشاكل ومن غياب حقوق الإنسان ومن القمع، ولم يفكر فيها حتى اليمنيون المعنيون مباشرة بما يقع لهم، فعليه أن يبحث عن السبب وعن الدافع إلى تلك الوقفة في مكان آخر.
إنه الحب.
والحب يدفع صاحبه إلى القيام بأشياء غريبة حد التضامن مع الشعب اليمني ضد تحالف الدول الرجعية وتدخل الحبيب العدو في هذه الحرب.
والجمعية تحب المخزن وتعشقه وتشتاق إلى هراواته، وإذا لم يقمعها تمرض وتفقد صوابها وقد تتضامن مع الحشرات أو مع الجن نكاية فيه.
والمخزن يعرف هذا جيدا، ويعرف أن الرفاق والرفيقات يتعذبون كلما طال البعاد، ولذلك يأتي إليهم ويضربهم ضربا مبرحا، ويسحلهم ويرفسهم ويطوح بهم، فينتعش الرفاق ويفرحون وتغمرهم السعادة ويكتبون البيانات.
ومن لم يعش الحب ولم يجرب لوعته فلا يستغرب، فقد خلد لنا التاريخ حكايات عشق أغرب من هذه، ومن لم يعشق يوما فلا يمكنه أن يفهم هذه العلاقة، والتي في ظاهرها قمع وحقوق إنسان وتضامن مع الشعوب، وفي باطنها شوق إلى اللقاء وخوف من تدخل العذال لإفساد هذه المتعة وهذا الموعد الغرامي الذي يضربه العاشق والمعشوقة منذ سنوات في نفس المكان.
وما اليمن إلا ذريعة
وما الشعب اليمني إلا حيلة لعودة الدفء
ولكي تستمر القصة
ولا تنتهي
ولا يصيب الملل القلوب
ولتعود الحياة والتشويق من جديد إلى مدينة الرباط
وتنتعش باليما
ويفرح المارة
ويرجع سوزي شارلي شابلن المغربي إلى عمله
ويعود بائع اللوز
ويتوقف المسافرون من أجل الفرجة.
حميد زيد كود