تلقى عبد الإله بن كيران في الأسبوع الذي نودعه ضربة موجعة من حيث لم يتوقعها. لم يخطر بباله وهو يتخذ أقصى درجات الحذر من زلات وزرائه المنتمين لحزب العدالة والتنمية، أن وزيرين من حزبه سيجعلانه فريسة ضعيفة هذه المرة بين مخالب أشرس معارضيه، ولم يدر بخلده أبدا، وهو يفتخر بزغاريد النساء أمام بيته وهن يتوجهن إلى المسيرة النسائية في الرباط يوم ثامن مارس الماضي، أن انزلاقات نظرة الإسلاميين السلبية للمرأة، لن تأتيه من ذراعه الدعوي في حركة التوحيد والإصلاح، ولن يدعيها خصومه في المعارضة وخارجها بالباطل، بل سيقترفها، بالدليل والبرهان، وزير في قلب حكومته.
في ثامن ماي. ظن خصومه أنهم سيمسكونه من نقطة ضعفه الإيديولوجية، المرأة وحقوقها وكرامتها، من الدستور وتنصيصه على المساواة والمناصفة، لكنه وكأي ذئب متمرس على الدهاء، عرف كيف يخرج من الزاوية الضيقة منفوخ الريش كأي طاووس مزهو بإنجازاته، ميز بين الحركة النسائية والمرأة ومن أسماهن بـ«النسوانيات»، وقال إن مشكلته ليست مع الأولى أو الثانية، ولكنها مع الثالثة التي تعارضه إيديولوجيا، وبذكاء شعبوي منقطع النظير، أطلق نيرانه على البرلمانيات الخاملات القاطنات في الرباط، واللواتي يتقاضين ثلاثة ملايين في الشهر، وقال إن من يشغل باله المرهف الإحساس، هن أولئك النسوة اللواتي لايجدن ما يسددن به رمقهن، أولئك اللواتي يعتدي عليهن أزواجهن السكارى، واللواتي يعينهن وزيره في التربية الوطنية في أماكن نائية ولاتستطعن الدفاع عن أنفسهن…
والحق يقال أن أيا من وزراء العدالة والتنمية لم يثبت عليه إلى اليوم ما يجرجره أما المحاكم، وباستثناء ملفات بلكورة ومن معه في مكناس، وجامع المعتصم وأصحابه في سلا المعروضة على القضاء، قليلون هم مستشارو الحزب المتورطون في فضائح سوء التدبير. لكن فضيحة معنوية واحدة كانت كافية لأن تهز حزب العدالة والتنمية من الداخل، وقصة غرامية فريدة من نوعها في التاريخ الحكومي المغربي جعلت حركة التوحيد والإصلاح تغلي وتبتلع لسانها هذه المرة دون أن تنبري دفاعا عن واحد من منتوجاتها الإيديولوجية الخالصة.
في دفاعه المستميت عن النساء «المنكسرة قلوبهن»، لم ينتبه عبد الإله بن كيران إلى أن داخل حزبه توجد امرأة مجروحة الفؤاد، امرأة استقوى عليها زوجها الذي ظل يعزف على وتر خطاب «التحكم السياسي» حتى صار مستبدا يعيد إنتاج التحكم في مجاله الخاص.
في أبشع صور الإيلام ساق وزير من حكومته زوجته إلى قدرها الذكوري، أن تخطب لزوجها ضرتها، أن يمارس التعدد في صوره الأكثر أنانية وغرائبية، رجل يختار الارتباط بامرأة ثانية، فقط كي يستجيب، في لحظة فوران عاطفي متأخرة، لنداء الحب والهيام، وربما لضرورات الرقي الاجتماعي كما لو أنه يردد في دواخله أن الوزير وقد صار وزيرا لا يمكن أن يكون إلا زوج وزيرة، وما دونها لاتصلح سوى أن تكون وسيطة زواج وتعدد على عتبات أرذل العمر .
كان يمكن لحكاية الوزير أن تبقى شأنا فرديا خالصا وتكون حياة حميمية محصنة، لكنها خرجت من الخاص إلى العام لما فضحت تصورا حريميا وأبيسيا للمرأة، وحين كشفت أنانية ذكورية تسمح للرجل بأن يسوق زوجته أمامه لتجلب له منافستها وتختار له بنفسها ألمها، أية مازوشية هذه وأية قساوة في الإيذاء تلك التي تتم باسم الرضا وباسم شرع الله!!. قد يقبل المغاربة ذلك من مواطن عادي بكثير من التبرم، لكن الموقف يصبح شأنا آخر، حين يصدر عن وزير تحيل أفعاله على دلالات ورموز تتجاوزه، وحين ينتمي هذا الوزير إلى حكومة تنتظر منها المغربيات صون كرامة المرأة والإعلاء من قيمة الزوجات، ووقف حالات التحايل على تشدد المشرع في التعدد الزوجي .. وفوق هذا وذاك، لم تعد الحياة الزوجية للوزراء شأنا خاصا مع حكومة عبد الإله بن كيران، منذ أن قرر المنتمون منهم لحزبه جعلهن في واجهة حملاتهم التواصلية…
والحقيقة أن لوزيرنا مشكل حقيقي مع المرأة، ثمة شيء غير عادي يشده بانجذاب سحري نحوها، أهو ضعف غير متحكم فيه؟ أهو إفراط في الفحولة ينفلت من الضبط والرقابة؟ لست أدري، لكني متأكد من أنه لايتحمل رؤية امرأة تحتفي بجسدها، أو تظهر قليل القليل من حسن ما أبدعه فيه الرب، هو دائما يخاف ألا يتقي حدود الله لذلك لم يجد مانعا مثلا في أن يطالب الصحفية خديجة رحالي في الحادي عشر من أبريل السنة الماضية بمغادرة البرلمان، بدعوى أن لباسها غير محتشم. أجل خاف الرجل على نفسه فقالها لها صراحة : «لباسك يمس بحرمة البرلمان وعليك مغادرة القاعة ».
وربما من حسنات الصدف وأفضال الله على ابن كيران الكثيرة، والتي ليس أقلها انخفاض سعر البترول، أن تصادفت حكاية وزيرنا مع بدء مسلسل جديد من التشويق يحمل اسم «التعديل الحكومي المرتقب»، فهو فرصة ابن كيران ليتخلص من وزير يزعج أكثر مما يخدم، بل وجعلنا مثار سخرية في الخارج، لما كتبت صحيفة « ايكوديايرو-ايكونوميستا » الإسبانية تعليقا على مشروع زواج الشوباني الجديد أن «إحصائيات أدلى بها وزير العدل مصطفى الرميد تؤكد أنه في سنة 2013 سجلت فقط 787 حالة زواج ثانية، أي بنسبة 0.26 بالمائة من مجموع الزواج بعموم التراب المغربي، لكن النسبة –تقول الصحيفة- انتقلت إلى 6 في المائة داخل مجلس وزراء الحكومة المغربية».
يونس دافقير.