لا رغبةً في تبرئة مسؤولين قد يكون لهم نصيب وافر في المأساة وحجمها، ولا نيةً في تحويل الأنظار عن التحقيق الذي نتمنى أن يكون جادا وجديا وأن يصل بنا في الختام إلى معرفة ظروف وملابسات احتراق تلك الأجساد الصغيرة يوم الجمعة الماضي، لكن أملاً فقط في أن ننتهز الفرصة الحزينة لكي نصارح بعضنا البعض سنقولها اليوم: الكل تحدث بعد فاجعة طانطان عن وزير النقل، عن الحكومة، عن الطريق، عن الحافلات، عن تهريب المحروقات، عن مافيا ما نعرفه وما لا نعرفه أيضا، وعن عديد الأشياء، لكن لا أحد تحدث عن مسؤوليتنا. لا أحد تحدث عنا نحن.
القصد بهاته النحن اللعينة، كل واحد وكل واحدة منا يجلس وراء مقود سيارته، وينطلق نحو الجنون اليومي المشترك بين أغلبية المغاربة، إلا من رحم ربك وتوفر له بعض العقل القليل، لكي يستحضره لحظات السياقة والتلاقي مع الناس في الطريق.
الاعتراف بالأمر واجب: طرقاتنا حالتها تحسنت كثيراً في السنوات الأخيرة، ولم تعد تلك المنعرجات الخطيرة والوعرة التي كنت تودع أهلك باكيا قبل أن تسافر عبرها.
سيارتنا وعرباتنا المتحركة أيضا تغيرت عما كانته، ومستواها اليوم أفضل تقنيا وشكليا من سيارات وعربات وحافلات الأمس التي يتذكرها أكبرنا سنا ويتذكرون مقالبها وأعطابها الدائمة.
حملات التحسيس أيضا تكاثرت وأضحت تصل إلى كل مكان، ولايمكن الادعاء بأن أحدا لا تصله نصائحها وتوجيهاتها وتحذيراتها الدائمة من شبح الموت.
شيء واحد لم يتغير في طرقاتنا: عقليتنا الجماعية التي تقف بشكل أساسي وواضح وراء تحول طرقنا إلى ساحة حرب يومية مفتوحة تفتك باستمرار بالناس.
لا نستبق التحقيق، نقولها مرة أخرى. لكن لا مفر من مصارحة بعضنا البعض بها: هاته الحرب القاتلة التي نتسبب فيها جميعا يجب أن تتوقف، ولن تتوقف هاته الحرب إلا إذا اقتنعنا جميعا – وليس فقط الحكومة والمسؤولين والجهات الخفية التي نوجه لها دائما الاتهام- أننا أول من يتسبب فيها، وهذه ليست مجرد ملحوظة لا علاقة لها بماسبق. هذه الحقيقة التي نعيشها يوميا وباستمرار.
المختار لغزيوي