التقرير الذي نسب للأمين العام للأمم المتحدة، والذي سيعلن عنه رسميا هذا الشهر في مجلس الأمن، يتضمن كلاما طيبا تجاه المغرب. بعض الكلام إقرار بالتقدم الحاصل في المغرب من جهة اعتماد مبادئ حقوق الإنسان في تدبير الشأن العام المغربي، وبعض الكلام الآخر انتباه من الأمم المتحدة، ولو بعد سنوات من إهمالها إلى ضرورة إحصاء سكان مخيمات تندوف. ذلك الإحصاء الذي لم تلح عليه الأمم المتحدة، وتحاشته الجزائر و البوليساريو،و هو من أهم المعطيات في تدبير ملف قضية الصحراء المغربية، في جوانبها السياسية، و تلك المرتبطة بتقويم المساعدات" الإنسانية" المتدفقة على قيادة البوليساريو. طلب إجلاء الغموض عن عدد ساكنة مخيمات تندوف كان مغربيا، واليوم أضحى أمميا.
في تقرير بان كيمون رسالة موجهة للبوليساريو وللجزائر حين يلح على "الجدية" في المفاوضات، و كان الوزير الأمريكي كيري قبله قد وصف مقترح الحكم الذاتي المغربي بأنه جدي و واقعي. الجدية ألح عليها الأمين العام في سياق تشديده على ضرورة حل نزاع طال أربعة عقود. و الأهم إشارته إلى أن ذلك النزاع على تماس مع منطقة الساحل والصحراء المتلهبة. الجدية قدم فيها المغرب مقترحا، يتنامى التقدير الدولي له، والتحذير من مخاطر "تضامن " النزاعات جنوب الجزائر هو أيضا مغربي و دولي في الآن نفسه.
السيد الأمين العام للأمم المتحدة يستوجب منا التحية والتنويه، خاصة لما عكسته بعض فقرات تقريره من دقته في قراءة معطيات النزاع حول الصحراء المغربية المشمول بالرعاية الأممية...لا بل إن التقرير فيه تجميع لما جرى التعبيرعنه، اتجاه التقدم الحاصل في المغرب،من تنويه و تقدير، "بألسنة" قيادات دول القرار الدولي أو دول الجوار الجغرافي أو السياسي مع المغرب. نفس "الألسنة" أفصحت عن مخاوفها من استمرار مخيمات تندوف المحشوة بالسلاح على تماس مع "منصات" إطلاق الإرهاب المنتشرة في تلك الصحراء التي لا تحدها إلا الصحراء.
في المغرب دولة، كل صباح تجلس في مكتبها ، حليقة الذقن، و قد تناولت فطورا مغذيا ومنعشا، صاحية الذهن، مركزها القيادي واضح و واحد، و سلطها ، الشعبية و الإدارية، واضحة الصلاحيات و التعاقدات، و موحدة في جهودها لترسيخ الإختيارات و الثوابت الإستراتيجية الوطنية، و في مقدمتها الإختيار الديمقراطي و المناعة الوطنية بصيانة الإستقلال و بالوحدة...تلك الدولة تتلقى التقارير والرسائل من داخل البلد كما من خارجها، فتنكب عليها بما يفترض من جدية في البحث وفي التجاوب...المشكلة أن النسخة من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الموجهة إلى الجزائر لن تجد المتلقي الذي يعاملها بنفس جدية مضمونها حتى لا نقول خطورته.
حين يقود "دولة" الجزائر رئيس، فاقد لنسبة عالية من قدرته على التحكم في قدراته الجسمانية، شافاه الله، يؤشر ذلك على أن الدولة لايتحكم فيها رئيسها..هو مجرد "علامتها المسجلة" أو "اسم مستعار " لهيئة قيادية للدولة غير معلنة و لم ينتخبها أحد، تتوافق لتدبير ما هوغير معلن من تواطئها على صيانة مصالحها. بدا ذلك واضحا في السجال الذي عجت به "الساحة العامة" في الجزائر، قبل ثلاثة أسابيع، في شأن الاختلاف بين صيغتين من خطاب الرئيس بوتفليقة، تلك التي تليت نيابة عنه، في محفل رسمي، وتلك التي نشرت رسميا وقد جرى تعديل مضمونها. والخطاب المنسوب للرئيس شكل موضوع تراشق بالاتهامات.
تصريف "الأعمال الجارية" هو ماتستطيع أن تفعله دولة رئيسها تحت العناية الطبية الفائقة... القضايا الإستراتيجية و التي تستدعي قرارات سياسية مؤثرة في مجريات الأحداث و النوازل يؤجل البث فيها أو تغيير مسارها إلى حين تكون الدولة في وضع عادي و "عقلها" القيادي سليم و ماسك بعنان الحكم . وذلك في أغلب ظني، ما دفع الفصائل المالية المتصارعة، في شمال مالي، إلى رفض أن ترعى الجزائر توقيع الاتفاق بينها وفي العاصمة الجزائرية...لعله تساءلت، من يضمن لنا ضمانة دولة الجزائر لإتفاقنا؟.
قضية الصحراء ليست من صنف الأعمال الجارية التي يمكن تدبيرها من "حي الله" مسؤول في الدولة الجزائرية..هي لديهم قضية وجود ، لها صلة "بعقيدة" تجحيم المغرب التي بثها المرحوم بومدين في شراين الدولةالجزائرية...وملاحظات بان كيمون تقصف تلك العقيدة، كما قصفتها شهادات دولية أخرى...حين تضع المغرب في مكانة الإحترام و الفعالية التي يستحقها. وذلك ما يستدعي للتعاطي معه أن تكون الدولة الجزائرية في غير وضعها الراهن. أن تكون بقيادة مسؤولة لها رأس هو مرجع ومصدر واحد، واضح باسم وملامح وعقل، بما يميزه عن سواه ويؤهله لاتخاذ القرار، و يبدأ بمراجعة تلك " العقيدة ". في مثل هذا الوضع من تعدد "حكام" الدولة في الجزائر، وتعدد مصالحهم ، و استفادتهم من استعداء المغرب و جعل ذلك موجها لسياستهم، مع تواريهم عن منصات الإعجاب وابتعادهم عن مواقع الحساب، يكون من المشروع أن نتساءل هل تصل "رسالة" بان كيمون إلى متلقي في الدولة الجزائرية. متلقي قادر على التجاوب معها وقراءتها في سياقها الدولي وفي ما ترمي إليه من التوصل إلى التشجيع على حل نزاع بات ملحا وضع مخرج له، سلمي و واقعي . و المغرب في ذلك يقدم إرادته و معها مقترح يساعد على أن لا يكون لدينا منهزم و لا خاسر...الكل منتصر و الكل رابح . و لأن هذا النداء الدولي ينتظر تجاوبا من الدولة الجزائرية، و لأن تلك الدولة هي على ما هي عليه اليوم من "اعتلال"، لا يمكن توقع تفاعل إيجابي منها للتقدم نحو الحل السلمي المطلوب مغاربيا و دوليا. و الدولة الجزائرية تدري، و "مجبرة" على التظاهر بأنها لا تدري، أول من يتضرر من استمرار النزاع، سواء بقي باردا أو جرى تسخينه، ومن احتمالات انجذابه إلى بؤر الإرهاب في المنطقة المتعددة و المستعرة...أول المتضررين هي الجزائر...
طالع السعود الأطلسي
فواصل الأيام