لقد أظهرت أحداث 11 شتنبر 2001 بشكل عام قوة ظاهرة التطرف الفكري والتعصب الديني، وأكدت أن العنف البشري بكل أشكاله جزء لايتجزأ من عالمنا المعولم. فالتطرف الفكري والتعصب الديني في الواقع، رغم أنه لازال قضية حساسة من الناحية السياسية، يعتبر مشروعا سياسيا يسعى إلى فرض العديد من أفكاره وقوانينه داخل مختلف دول العالم العربي والإسلامي بل والغربي كذلك، وتمثل نسبة الشباب وخاصة الفئة العمرية من 18 إلى 29 سنة أهم مكونات وجنود هذه الظاهرة.
لذلك فإن وضع أية سياسة جديدة ترتبط بتدبير الشأن الديني في أوساط الجالية المغربية وخاصة بدول أوروبا الغربية رهين، ليس فقط بفهم وإستعاب وتطور ظاهرة التطرف بين فئات الشباب، ولكن أيضا بالإتجاه الذي تأخذه مطالبهم الشرعية. وهنا تبرز أهمية إشراك شباب وشابات الجالية المغربية في جميع النقاشات التي تعالج القضايا الخاصة بهم، حيث أن تدبير الشأن الديني لـ 5 ملايين مواطن مغربي قاطن في الخارج يعني أهمية أن تكون لدى الأئمة الفقهاء والقائمين على هذا الأمر فكرة ونظرة واضحة عن الشباب المغربي بالمهجر، وهنا تبرز الحاجة إلى التواصل معهم بلغتهم وثقافتهم وطموحاتهم لأجل تشخيص مشاكلهم ووضعها أمام جميع من يهمهم الأمر، ثم إيجاد حلول لها لأنه أمر ممكن.
فمعلومات بعض الأئمة أو الفقهاء وكذا مسؤولي الشأن الديني عن شباب الجالية المغربية المسلمة بأوروبا تعادل معلومات الأعمى عن أشعة الشمس، حيث أنهم لم يفقهوا بوجود أو إنتشار المتطرفين في أوساط شبابنا إلا من بعد أن فات الأوان، لأن دورهم هو معرفة الظاهرة قبل أن تقع ويقع معها كل شر، وفي الأخير شبابنا هو من يدفع ثمن تجاهلهم لأزيد من 10 سنوات لتفشي ظاهرة العنف والتطرف الديني والأفكار الهدامة في صفوف شبابنا ونسائنا بأوروبا.
وعلى أية حال، فقد إعترف رئيس المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة الحالي، في أحد تصريحاته بهذا المعطى حينما صرح قائلا: " أن الأئمة إرتكبوا جريمة سياسية وإجتماعية لأنهم لم يتعلموا لغة البلد الذي يقيمون فيه". هذا يؤكد حقيقة عدم فهم واقع شباب جاليتنا وحقيقة التعاطي مع همومهم وحياتهم اليومية. فالمسؤولون أو القائمون على الشأن الديني في أوساط شباب الجالية المغربية، الذين يخفقون في تحقيق فضاء ديني معتدل ومتوسط إتباعا لمنهج إمامنا مالك وعلمائنا الأجلاء بالمغرب، يخسرون لامحال مكانتهم وصوتهم داخل صفوف نساء وشباب وأطفال جاليتنا بأوروبا.
لقد أُنشئت عدة أجهزة رسمية من من طرف الدولة المغربية، وكان غرضها الاساسي خدمة الشان الديني لهذه الشريحة من المواطنين المغاربة في الخارج، لكن هذه الأجهزة لم تحقق لهم ماتمنوه وحققوا لأنفسهم أكثر مما طلبوه، مما يتضح أن المشرفين أو القائمين على هذا الشأن داخل صفوف الجالية المغربية يحتوون على غرائب عديدة ساهمت في بروز فقهاء التشدد السني وفقهاء التطرف الشيعي والعلماء الجهال، ما يحتم علينا تنبيه الدولة المغربية وتوجيه دعوة عاجلة لها. لهذا الغرض نطمح أن تمتد يد الإصلاح، والتي تبناها العاهل المغربي في سياسته وخاصة تدبير الشأن الديني منها، أوساط هذه الأجهزة التي وُكلت لها أمر الدين وتدبيره لكنها لم تثبت وطنيتها وإخلاصها في خدمة مصالح نساء وشباب الجالية المغربية.
لم يعد مجتمع الجالية المغربية في أوروبا تحديدا يضم فقط الناس العاديين الذين أتوا للعمل أو التعليم أو الوصول إلى مستوى معيشية أفضل، بل ضم فئات لم تكشف عنها إلا أحداث 11شتنبر2001 وتوابعها أبرزهم، المتطرفون دينيا، الظلاميون فكريا سواء على صعيد الممارسة أو الخطابة، الوصوليون وهم آفاقون سياسوِيُون. معظم هؤلاء يتحركون في إطار معين رُسم لهم من قبل أخرين يريدون فقط صنع نفوذ داخل صفوف الجالية المغربية في أوروبا. فالسؤال، أين الدور الرسمي للحكومة؟ أين السفارات؟ أين المراكز الثقافية، بعض من الجيل الثاني والثالث الذين إنصهروا في ثقافات سلفية متشددة وشيعية متطرفة غير ثقافاتهم، أين هو التأطير والتنظيم والعمل الذي يقوم به المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة بالمهجر؟
فإذا كان الغرض الأساسي للدولة المغربية من مجتمع الجالية المغربية هو توحيد المرجعية الدينية تحت إمرة إمارة المؤمنين ثم خدمة وتنمية الوطن والمشاركة في بناء المغرب الحديث، فليس هناك خيار أخر للدولة لوجود حلول بديلة وعملية تخص تدبير الشأن الديني بين صفوف شباب الجالية ومحاربة أشكال التطرف بها إلاَعن طريق إقناع الشباب عبر برامج تكوينية، خطط تثقيفية، دراسات توعوية والعمل على تطبيقها بغية عدم زعزعة ثقة شبابنا بدينهم الحنيف الذي يدعوا إلى الوسطية والإعتدال. هذا يتطلب، دخ دماء شابة وجديدة داخل المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة ثم تأسيس مؤسسات وترشيد الجمعيات المتخصصة والفعالة في تدبير الشأن الديني بالمهجر لتكون موازية للمجلس. فلنا في هذا الشأن مايمكن عمله لأن الأمرنعتبره فعل وطني وأخلاقي، وليس هبة أو منة منا للبلد وإنما واجب يفرضه علينا حب الوطن المغرب وإخواننا فيه.
فالضرورة الحالية، أننا بحاجة إلى أئمة فقهاء ونخب إجتماعية وسياسية من داخل أفراد الجالية المغربية، لهم مكانة وتجربة ومعرفة عالية بمسألة تدبير الشأن الديني وما يتعلق به، وكذا ما يترتب عليه من نتائج بعيدة ومتوسطة المدى وخاصة داخل دول أوروبا الغربية وبشكل مستمر.
فالذي لديه معرفة واسعة بهذا الأمر هو الذي يحدد الحلول المناسبة والكفيلة بمحاربة شتى أنواع التطرف الفكري والتعصب الديني، وفي الأخير هذه الحلول ترجمتها تحتاج إلى إجتهاد وتفعيل ثم يولى أمرها إلى من لديهم الشأن. لذا فإمكانية وجود حلول والعمل على تطبيقها على أرض الواقع هو أمر متاح لكن يتعين على الدولة المغربية ضمان تنظيمه وإستمراره والتعاقد من أجله، لأن الدولة المغربية ستكسب شرعية هذا الأمروتدبيره والعمل به من خلال مواطنيها الحاملين لجنسيات متعددة بأوروبا. مما سيسمح للدولة المغربية أن تتصرف وكأنها جزء لايتجزأ من المجتمع الأوروبي بدون وادع أو مسؤولية سياسية أو محاسبة.
علي زبير
باحث في شؤون الهجرة
الناطق الرسمي لـ "المؤسسة المحمدية لمغاربة أوروبا"
رئيس حركة الوسيط للجالية