عندما يصبح العقل الجماعي مستعدا أن يصدق أن مزحة أطلقها مدون ساخر تتعلق بجواز أكل الرجل للحم زوجته هي حقيقة، وعندما ينبري صحافيون يبدون عاقلين للرد على مزحة أخرى أطلقها شباب عبر الأنترنيت عن شاب /شيخ لديه كرامات خارقة، علما أن صفحة هذا الشاب في الفيسبوك تتحدث عن شخصية خيالية وتنضح بقدر كبير من السخرية التي تشفع له في كثير الهراء الذي ينشره عبرها، نجد أنفسنا ملزمين بالتساؤل: متى أصبح هذا العقل (غير العاقل) الجماعي قادرا على تصديق وازدراد كل شيء ولا شيء؟
الجواب معقد، لكن بداياته ليست بعيدة عن كم كبير من الأساطير والخرافات والحماقات ألقيت في وجوه الناس منذ عقود بعيدة، بل لكي نقول الحقيقة منذ قرون خلت، وجعلت المنطق السليم معطلا لديها، ودفعتها إلى التحول إلى أدوات مستوعبة ومتقبلة لكل شيء مهما كان بعيدا عن العقل أو أخرها لا معنى له يبدو غير قابل للتصديق.
بالأمس كان مجال ترويج الخرافة أو الإشاعة هو الشارع فقط، وراديو المدينة ومايتناقله الناس فيما بينهم. اليوم أصبح إعلام الأنترنيت متطوعا فوق العادة للقيام بهاته المهمة التجهيلية، وأصبح يتبارى -كل لغرضه المعين- من أجل المزيد من النشر للتجهيل، للتضبيع، للإبعاد التام عن التفكير السليم.
الهدف: غير واضح. هناك من يرى أن للأمر علاقة بالتحكم في تفكير الجموع. هناك من يقول إنها سخرية عادية تتطور إلى مثيل هاته الأمور. وهناك من لا يؤمنون بالصدفة، ويصر على أن الأمة التي أنجبت خرافة القاعدة وخرافة داعش وخرافة أنها أفضل من الآخرين، هي أمة لن تتردد ثانية في اختراع خرافة كل يوم لكي تؤمن بها، ولكي تستطيع مواصلة هوايتها الشعبية الأولى: الغباء.
من يدري؟ قد يكون هذا التفسير صائبا، وقد يكون مجرد ملحوظة لا علاقة لها بماسبق.
المختار لغزيوي.