حميد زيد كود
دون أن يشعر يصبح العقلاني والحداثي هو الوجه الآخر للوهابي.
ودون أن يدري يحن إلى ذلك الزمن الذي صارت فيه للإلحاد دولة تقمع كل أنواع الإيمان.
ما فعلته الماركسية ودولتها المستبدة بالمؤمنين مازال بيننا من يحن إليه، ودون أن يدري يلتقي العقلاني والمتنور والمادي مع حليفه السلفي.
لا للكرامات.
لا للزوايا.
لا للطرق الصوفية
لا للإسلام المغربي.
وقد ذهبت دولة الإلحاد، والدين أفيون الشعوب، وقمع المسجد والكنيسة والكنيس، وظل الإيمان.
وها هو العقلاني يستنطق اليوم ويحاكم شابا ويرغمه على الاعتراف وتكذيب كراماته، وفي محاكمة شعبية هب سكان الفيسبوك عن بكرة أبيهم لرجمه والطواف به في المواقع ودفعه دفعا إلى الاعتراف.
هل أنت تطير.
هل تسافر من طنجة إلى الرباط في عشر دقائق.
ولا ننتظر إلا أن يتجند العقلانيون لتخريب الأضرحة والزوايا كما تفعل داعش.
لا ننتظر إلا أن يرغموا ذلك الشاب على التخلي عن إيمانه وطريقته وصوفيته، كي يرتاحوا ويطمئنوا في يقينهم العقلاني والمادي والداعشي المقلوب.
لا فرق أبدا في نظري بين هذا النوع من العقلانيين وبين المتطرفين الدينيين.
إنه إرهاب المادية وإرهاب العقل حين يعتقد أنه هو وحده على حق، وأن الإيمان مجرد خرافة وشعوذة.
ويعتقد العقلاني أنه منفتح وإنساني وديمقراطي ومع الاختلاف والحرية، وفي أول اختبار، يخرج منه الوحش الكامن فيه، ويقصي الإيمان، فقط لأنه لا يفهمه، ولا يستوعبه، ولا يصدقه.
ويشتكي العقلاني من الوهابية، لكنه وبقناعة راسخة وإيمان أعمى يصبح حليفها ونصيرها والمحارب في صفها، والشخص الذي يضع على عاتقه مهمة تخليصنا من أهل التصوف وادعاء الكرامات والزوايا وزيارة القبور والأضرحة.
تماما كما يفعل الإخوان المسلمون ومن يدور في فلكهم في أدبياتهم.
تماما كما كانت فتاوى الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز.
تماما كما تفعل داعش في العراق.
تماما كما في حملات السلفيين وتحريضهم على أهل التصوف.
وينسى العقلاني وهو “ينور” الناس أنه يحارب إسلاما لا يكفر، ويحارب إسلاما منفتحا، لا يتزنر بالأحزمة الناسفة، وينشر الحب والخير في كل مكان، ويقبل الناس جميعا كيفما كان دينهم ومعتقداتهم.
ينسى أن الزوايا منتشرة في كل بقعة من أرض المغرب، وأنه إسلام آبائنا وأمهاتنا، بنفس اللباس الأصيل الذي ظهر به ذلك الشاب.
وينسى أن الكرامات لا تؤذي أحدا
وأن السماع الصوفي فيه من الجمال ومن حب الله وحب الناس ونبذ الكره والتزمت والإقصاء ونكد الفقهاء والبحث عن الأعداء والكفار في كل مكان، وفيه كل ما هو إيمان شخصي وعلاقة ذاتية مع الخالق، يحاربها الإسلام السياسي ويحاربها”صليل الصوارم” المتعطش للدم والقتل والرؤوس المقطوعة.
ولا أعرف ماذا يضر العقلاني في الكرامات وفي الولاية.
لقد كان هذا موجودا دائما في المغرب ومصر وتونس والجزائر وسوريا…وفي المسيحية واليهودية، ولأن العقلاني لا يفهم هذا الإيمان، فقد اختار صف داعش والوهابية، ويستعمل نفس كلماتها: الخرافة والشعوذة.
ويا لها من طمأنينة يشعر بها الصوفي.
ويا له من إيمان.
ويا لراحة الأم وهي عائدة من زيارة ضريح أو ولي صالح.
ويا لتسامح ذلك الشاب مع من تسببوا له في الإذاية وشتموه وسخروا منه
ويا لتواضعه مقابل زهو العقلاني وعنجهية الفقيه ومحدودديته التي لا تتجاوز أرنبة أنفه
ويا لنظرة الصوفي وسمته ومحبته للناس جميعا
ويا لشر نظرة المتطرف وإرهابه
ويا لضيق نظر العقلاني
ويا لحنينه إلى الاستبداد
ومحاكمة المؤمنين
والتضييق عليهم
وشق قلوبهم
وإرغامهم على الاعتراف
وترك طريق الله.