الذي يصنع المؤامرة دائما يختار توقيتها، غير أنه ينسى أن يغطي على معالم الجريمة. والمؤامرة دائما جريمة وليست هناك جريمة كاملة الأركان. ومن اختار هذا الوقت بالذات ليوحي للقاضي الإسباني بابلو روز محاكمة 11 مسؤولا مدنيا وعسكريا مغربيا بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية" في الصحراء، لا يهدف فقط إلى إزعاج المغرب، ولكن يقدم خدمة إلى العناصر التي تزعزع استقرار العالم. من يقف وراء هذه المؤامرة؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ وما هو الهدف منها؟ ومن صنعها هل يهدف إلى ضرب المغرب أم إسبانيا أم هما معا؟ ومن هي الجهة الإسبانية المتورطة في هذه المؤامرة الخبيثة؟ لاشك أن هذا القرار جاء في وقت أشاد فيه وزير الداخلية الإسباني بحجم التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا، في مواجهة مخاطر الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة والمخدرات وتبييض الأموال، حيث اعتبر دور المغرب مركزيا في هذا السياق، ولا يمكن الاستغناء عنه، بل لقي إشادة دولية عن جهوده في مكافحة الإرهاب. وجاء الإعلان عن موافقة القاضي الإسباني على محاكمة أمنيين وعسكريين مغاربة في نفس الوقت الذي دعت فيه منظمات حقوقية فرنسا إلى عدم توقيع اتفاق قضائي مكمل مع المغرب، وهي المنظمات المعروفة بسكوتها عن فظائع حقوق الإنسان بالجزائر، بما يوحي أن المصدر واحد وأن اليد التي حركت كل هؤلاء دفعة واحدة هي نفس اليد. كما أن القرار جاء متزامنا مع مناقشة مجلس الأمن الدولي لملف الصحراء، والاستعداد لصدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء المغربية يوم 17 من الشهر الجاري، حيث سيلتئم مجلس الأمن في دورته للشهر الجاري حيث سيخصص للمصادقة على قرار تمديد مهمة المينورسو التي ستنتهي نهاية الشهر الحالي. فلو كان القاضي موضوعيا لتابع جلادي البوليساريو. ولقد اعتمد القاضي الإسباني على شهادات. ألا يعرف أن عشرات الكتب صدرت بالعربية والفرنسية وحتى الإسبانية تروي مأساة الجنود المغاربة المحتجزين لدى البوليساريو الذين عاشوا الجحيم على امتداد ربع قرن؟ وتعرف إسبانيا قبل غيرها أن البوليساريو منظمة إرهابية، وسبق أن قامت بقتل صيادين إسبان بمحاذاة شاطئ العيون سنة 1978 وقامت بعمليات أخرى في أوقات مختلفة. كما أن عناصر البوليساريو وعلى امتداد 20 سنة مارسوا القتل تجاه المغاربة في كل المناطق، واستعملوا كل أنواع الجريمة، واليوم أصبحوا حلفاء للجماعات الإرهابية. القتلة الحقيقيون لا يكلمهم أحد ولا تحاكمهم إسبانيا، لأنهم محميون عن طريق عائدات النفط والغاز، بينما من كان يدافع عن وحدة بلده أصبح جلادا مشاركا في الإبادة الجماعية. القاضي الإسباني نسي أن بلاده كانت تحتل الصحراء المغربية، وأن المغرب دخل أراضيه سنة 1975 ولم يحتل أرضا أخرى، وإذا أراد النبش في تاريخ الاحتلال ما عليه سوى العودة إلى أرشيفات الإدارة الإسبانية ما قبل التاريخ المذكور ليطلع على الجرائم التي ارتكبتها قوات بلاده في حق المواطنين المغاربة بالصحراء، الذين رفضوا إغراءات إسبانيا بتكوين دويلة تابعة لها وأصروا على التحرير والوحدة. المغرب لا يخاف من محاكمة مسؤوليه، لكنه يرفض الابتزاز الذي تمارسه جهات معينة، ولن يكون المغرب هو الخاسر إذا ما أصرت جهات إسبانية في خلق مشاكل شبيهة بتلك التي حدثت مع فرنسا.