يأتي إحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمّة المرشدين والمرشدات في سياق سُنَّةٍ ـ حتى لا نقول سياسة ـ حميدة تُمَيِّزُ المملكة المغربية عن سواها من الدول الإسلامية، وتتميز بها إمارة المؤمنين في هذا البلد الأمين. وقد دأب ملوك المغرب على العمل من أجل تأمين الجانب الروحي وتخليصه من أيّة شائبة تشوبه وتجعله مرتعاً لها، الشيء الذي ضمن للمغرب استقرارا مشهودا من خلال تجذير الثوابت الروحية للمملكة التي تقوم على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوُّف السُّنِّي. هذه الأركان الثلاثة هي التي شكّلت الحصن الحصين للبلاد والعباد من أيّ محاولة اختراق مذهبي لا يتماشى مع طبيعة المغاربة. وهذا ما يفسّر حرص إمارة المؤمنين بالمغرب، على امتداد التاريخ، على نشر الإسلام المتشبِّع بقيَمِ الوسطية والاعتدال التي يمكن القول إنها جعلت بلادنا في مَنْأى ومَأْمَن عن التيارات المذهبية والحركات العقدية والْمِلَل النحلية التي فَرّقَت أكثر ممَّا جمعت، وجعلت الكثير من الشعوب والبلدان تعيش على إيقاع فوضى دينية ما أنزل الله بها من سلطان، لدرجة تجد في المدينة الواحدة، وليس فقط في البلد الواحد، أكثر من إمام وأكثر من مُفْتٍ وأكثر من مرجعية. هذه الوسطية والاعتدال هي التي ستثير إعجاب العرب والعجم، وجعلتهم يلجأون إلى المغرب طلباً للِرُّشْدِ والإرشاد والمرشدين. المغرب لم يحاول أو يعمل يوما على تصدير العقيدة والمذهب، بالقوّة أو الهيمنة، بقدر ما عمل على إعطاء النموذج الأفضل لتحصين البلاد والعباد، رُوحِياً، من عبث العابثين، فكان هذا التحصين هو الصخرة التي تتكسّر عليها أحلام بعض البلدان التي لم تتردّد في التدخل في شؤون دول أخرى عن طريق نشر مذاهبها والدعاية لمرجعياتها والتغلغل باسم الإسلام من أجل ضمان سيادة تلك المذاهب وفرض تلك المرجعيات على شعوب وبلدان أخرى. ولقد أثبتت الأيام والأحداث سرّ النبوغ المغربي في المجال الروحي، وقدرة المغرب على التعامل مع حالات وصور التطرُّف التي أدّت إلى ما نشاهده من نماذج وسلوكات ومواقف لا علاقة لها بالإسلام الحنيف. من هنا، أصبح المغرب قِبْلَة الرُّشْدِ والإرشاد من مختلف الآفاق، حيث سارعت عدة دول من العالم العربي والإسلامي، ومن إفريقيا وأوربا، إلى طلب تكوين أئِمَّتِهِ ومُرْشِدِيهِ والاستفادة من التجربة المغربية الرائدة في مجال تكوين واستكمال تكوين الْقَيِّمِينَ الدّينيين في إطار إسلام متشبِّع بقيم الوسطية والاعتدال والتسامح والانفتاح؛ القيم التي تنبذ العنف والدعوة إليه. فكانت استجابة المغرب لاَفِتَة ومثيرة لانتباه هذه الدول، الشيء الذي جعل الاهتمام يتزايد على الطريقة المغربية. وما كان لهذا الإقبال على المغرب أن يكون لولا الفعالية والنجاعة التي أبانت عنها المدرسة المغربية التي تقوم على استراتيجية تلقين مندمجة وشمولية ومتعددة الأبعاد في تكوين وتمكين وتأهيل الأئمة المرشدين والمرشدات في مجال الإمامة والإرشاد. وحرصا من المغرب على مساعدة الأشقّاء والأصدقاء من مختلف الآفاق، فقد وضع رهن إشارتهم تجربته وخبرته ومعاهده وأطره رهن إشارة الراغبين من دون قَرْعِ طُبُول ولا نفخ أبواق. نفس الحرص يجعل المملكة المغربية متأهِّبة لنُصْرَة الإخوة حين يجدُّ الجدّ، وعلى الأخص حين يكون أحد الأشقاء في محنة يواجه فيها قوى الظلام والطغيان والاستكبار. نستذكر هنا، على سبيل المثال، الموقف المغربي الحاسم من الأحداث التي عرفتها ليبيا وسوريا وتونس، وما عرفته البحرين من اضطرابات مفتعلة بأيدٍ خارجية، ومواجهة هذه القوى التي تعود اليوم للعبث باليمن واليمنيين، ومن خلالها استهداف أمن واستقرار المملكة العربية السعودية وسائر بلدان الخليج التي تربطها بالمغرب ليس فقط بنود ومواثيق شراكة استراتيجية، بل عهود وروابط الأخوة الصادقة التي تربطها وتشدُّها أواصر الدم والمصير المشترك، انطلاقا من تعاليم الدين الحنيف المتشبِّع بقيم الوسطية والاعتدال والتسامح. وهي القيم التي تنتصر في النهاية .