لم يكن أبدا بلد سعادة عكس ماتقوله التسمية.
لم يكن اليمن السعيد، ولن يكون أبدا. منذ الإمام الذي حكمه، وحتى لحظة «فاتكم القطار» قبل أن ينفجر اللغم في وجه علي عبد الله صالح، وينفجر في وجه منطقة بأكملها يقال لها في الشعارات إنها تستحق الديمقراطية، ولا يتم تذكيرها يوميا أن الديمقراطية والجهل لا يستقيمان ولا يلتقيان.
اليوم في اليمن التعيس صراع جديد بين الشيعة وبين السنة. قتل كثير منذ القرون الأولى، ومنذ صراع علي ومعاوية، بل لكي نصلح الكلام قليلا الإمام علي كرم الله وجهه والصحابي معاوية رضي الله عنه وأرضاه.
طيب وماذا بعد؟
القات المستشري في الأذهان يضرب في مقتل ذكاء الناس في كل شبر من هذا التابوت الكبير الممتد من الماء إلى الماء – قالها الماغوط ولم يكن الرجل أبدا كاذبا – ويخلق حالة خدر كبرى تجعل الموت سهلا، يسيرا، شيئا كالعادي. نزدرده ونحن مقتنعون أنه القدر منا والسلام.
في البلدان الأخرى، تلك التي قطعت أودية الحضارة، ومس الجفاف أقدامها وكل أوصال التقدم فيها، حين يموت شخص واحد يبكونه بحزن، ويتذكرون له أنه آدمي، لذلك نراهم هاته الأيام يقيمون القداس الرهيب المؤثر لضحايا طائرتهم، ويتبادلون فيما بينهم بكل إنسانية كلمات العزاء.
لدينا نفتح «الجزيرة» فنرى الجثث متراصة، ونرى الانفجار والدم والأيدي والأرجل مقطعة. لا نكتفي. نبحث في الأنترنيت عن الشريط الكامل لإحراق معاذ الكساسبة، نتأمل وجهه ونتنافس في الحديث عن صدقية الشريط ويقول لنا أكثرنا «عبقرية»: «الشريط مخدوم لأن الكساسبة لم يصرخ بما فيه الكفاية والنيران تأكله».
نبحث في ثنايا الرؤوس عن رأس واحدة نجد فيها بعض العقل، قليلا من الحكمة، شيئا من التروي، بعضا من قدرة على رشد لكي يقول لنا إن مايقع لنا جميعا هو أمر تعيس للغاية.
لانجد. نجلس على كثبان مدن رمالنا المتحركة، ننتظر انهيارها. نمضغ كثيرا من القات لكي ننسى، ولكي لايفارقنا الخدر، نرفع الشعارات والأغاني في وجه بعضنا البعض ونقول إن اليمن سعيد، وأن البقية ينتمون لخير أمة أخرجت للناس. نتذكر أننا مجرد ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق وكفى. نحتسي الثمالات لكي ننسى وننصرف في انتظار القادمات..
بقلم: المختار لغزيوي