لا يمكن للملك أن يفكر في كل شيء لوحده، فله مستشارون وله حكومة منتخبة ومؤسسات ومنتخبون في المجالس والجهات والجماعات، ومفروض أن يقوم كل واحد بدوره، فالملك يعطي الاستراتيجية، التي تتضمنها الخطابات الملكية، التي يلقيها جلالة الملك عند كل افتتاح للدورة البرلمانية، والتي يلقيها بمناسبة الأعياد الوطنية أو الخطابات الاستثنائية مثل خطاب التاسع من مارس، وتتضمنها المداولات داخل المجلس الوزاري. غير أنه لا يمكن للملك أن ينوب عن النخبة السياسية الحاكمة في البلاد، لكن يظل هو الرقيب على كل الأعمال التي يقوم بها هؤلاء، ومناسبة هذا الكلام الاتصال الهاتفي، الذي أجراه جلالة الملك مع وزيريه في الداخلية والتجارة والصناعة، والذي عبر فيه عن عدم رضاه عن مشروع هيكلة الباعة المتجولين، الذين هم فئة من بين فئات كثيرة توجد في قلب جلالة الملك التي أولى لها أهمية قصوى منذ اعتلائه العرش. وجاءت مؤسسة محمد السادس للتضامن لتعبر عن التوجه الاجتماعي لجلالة الملك، حيث العناية الخاصة بالفئات المحرومة وتأهيلها كي تندمج في المجتمع بشكل طبيعي. فعدم رضا جلالة الملك عما تم إنجازه يعني أن المشروع لم يسر في طريقه الطبيعي المتفق عليه ولم يسر وفق التصور الملكي الاستراتيجي لإنهاء ظاهرة الاقتصاد غير المهيكل، الذي يضر بصاحبه ويضر بالدولة ولا ينسجم مع دخول المغرب مراحل من المدنية، وهي رسالة قوية أن الأمور التي يشرف عليها لا يمكن أن تكون موضوع "زواق"، ولكن ينبغي أن تتخذ طابعا جديا. فجلالة الملك له مشروع مجتمعي متكامل ينهض به، سواء على مستوى استكمال بناء المؤسسات الدستورية أو على مستوى الوثيقة الدستورية والقوانين وعلى مستوى السياسة والاقتصاد والمجتمع، وفي هذا السياق يدخل مشروع هيكلة الباعة المتجولين، فهو ليس مجرد نقل البائع من الشارع إلى دكان أو براكة، ولكنه مشروع تربوي تنموي، يريد معالجة المشكلة الاجتماعية وإيجاد حلول جذرية لها. ولا يمكن لهذه الحلول أن يتم بناؤها على أساس الحلول الترقيعية التي تروم أهدافا انتخابية قصيرة المدى، ولكن يجب أن تتم ببلورة مشروع تنموي قابل للتنفيذ يستطيع احتضان كل هذه الفئات وتمكينها من موارد قارة للرزق ولكن في إطار منظم، يستفيد منه البائع وتستفيد منه الدولة من خلال إدماج هؤلاء في النظام الضريبي حتى يصبح لهم عنوان واسم. الحكومة غير مهمومة بمصير هذه الفئات، وهي اليوم مرت إلى السرعة القصوى نحو الانتخابات، ولم يعد يهم مكوناتها المجتمع ولا حتى التنسيق الداخلي، ولكن تهم المبادرات الفولكلورية، والخطاب الشعبوي، الذي يهدف إلى جر مزيد من الأصوات، والواقع أنه لا يوجد مشروع حقيقي لدى الحكومة، فقد قدمت مشاريع انتخابية فقط ولم تلتزم بها أيضا مثل دعم الهجالات والدعم المباشر للفقراء وغيرها، التي تبين أنها ترويج انتخابي محض وليست مشاريع جوهرية. ولو كانت الحكومة تريد فعلا حل المشكلة لوضعت مشروعا لأسواق نموذجية تريح البائع وتحافظ على جمالية المدن، التي تحولت إلى مراحل من البداوة زادها قوة بداوة كلام رئيس الحكومة، فأماكن البيع ينبغي أن تخضع لعملية ترخيص وإلا تحولت المدن إلى فوضى ونموذجها اليوم شارع محمد السادس بالدارالبيضاء الذي أصبح محتلا من قبل الباعة وكأن الولاية والأمن قد قدما استقالتهما.
النهار المغربية